إخوتي وأخواتي الأعزّاء!
أودّ أن أسترجِع معكم اليوم ذكرى الرحلة الرسوليّة إلى سانتياغو دي كومبوستيلا وبرشلونة، التي كان لي فرح القيام بها يومي السبتوالأحد الماضيَين. لقد توجّهتُ إلى هناك لتثبيت إيمان إخوتي (لوقا 22، 32)؛وقد قمتُ بهذا كَشاهد للمسيح القائم من بين الأموات، كَزارع للأمل الذي لايخيّب ولا يخدع، لأنّ أصله يكمُن في محبّة الله اللامتناهية لجميع البشر.
أودّ أن أسترجِع معكم اليوم ذكرى الرحلة الرسوليّة إلى سانتياغو دي كومبوستيلا وبرشلونة، التي كان لي فرح القيام بها يومي السبتوالأحد الماضيَين. لقد توجّهتُ إلى هناك لتثبيت إيمان إخوتي (لوقا 22، 32)؛وقد قمتُ بهذا كَشاهد للمسيح القائم من بين الأموات، كَزارع للأمل الذي لايخيّب ولا يخدع، لأنّ أصله يكمُن في محبّة الله اللامتناهية لجميع البشر.
كانت سانتياغو المحطّة الأولى. ومنذ مراسم الاستقبال،استطعتُ اختبار العطف الذي يكنّه شعب إسبانيا لِخليفة بطرس. لقد استُقبلتُ بالفِعل بِحماسٍ كبير وحرارة. كنت أودّ، في هذه السنة المقدّسة الكومبوستيليّة، أن أكون حاجًّا جنبًا إلى جنب مع الذين توجّهوا، وهمكُثُر، إلى ذاك المزار الشهير. واستطعتُ أن أزور بيت الرسول يعقوب الأكبر، الذي لا يزال يُكرِّر، لأولئك الذين يأتون إليه وهم بِحاجة إلى نعمة،أنّ الله قد جاء في المسيح إلى العالم ليصالحه معه، وليس لاتّهام البشربِخطاياهم.
في كاتدرائيّة كومبوستيلا الضخمة، وفي قيامي بِتأثّربالعناق التقليديّ مع القدّيس، فكّرت كيف أنّ لفتة الترحيب والصداقة هذه هيأيضًا وسيلة للتعبير عن التمسّك بكلمته والمشاركة في مهمّته. وهي علامةقويّة الإرادتي بالتماثل مع الرسالة الرسوليّة، التي تُلزمنا، من جهة، أننكون الحرّاس المُخلصين للبُشرى السارّة التي نقلها الرُسُل، دون الوقوع فيتجربة تغييرها، والتقليل من قيمتها أو تطويعها لمصالح أخرى، ومن ناحية ثانية، تُحوِّل كلّ واحد منّا إلى مبشّر لا يكلّ للإيمان بِالمسيح، من خلالالكلمة وشهادة الحياة في جميع مجالات المجتمع.
وفي رؤيتي لعدد الحجّاج الحاضرين في القدّاس الإلهيالاحتفاليّ الذي كان لي فرح ترؤّسه في سانتياغو، كنت أفكِّر بما يدفعالكثير من الناس لِترك أشغالهم اليوميّة والقيام بمثل هذا الدرب التكفير يّنحو كومبوستيلا، وهو دربٌ طويل وشاقّ في بعض الأحيان: إنّها الرغبة فيالوصول إلى نور المسيح، الذي يتشوَّقون إليه في أعماق قلوبهم، على الرغم منأنّهم كثيرًا ما لا يعرفون كيف يعبّرون عنه جيّدًا بالكلام. ففي أوقات ضياعهم، وبحثهم، والصِعاب، وكذلك أيضًا في تطلّعاتهم إلى تقوية الإيمان والعيش على نحو أكثر اتّساقًا، يشرع حجّاجك ومبوستيلا بمسيرة توبة عميقة إلى المسيح، الذين حمل في ذاته ضعف الإنسانيّة وخطيئتة، وبؤس العالم،وحملها إلى حيث لا سلطة للشرّ، إلى حيث يضيء نور الخير كلّ شيء. إنّه شعبٌمن المشّائين الصامتين، الآتين من جميع أنحاء العالم، ليكتشفوا مجدّدًا تقاليد الحجّ المسيحيّة القديمة التي تعود إلى القرون الوسطى، مُجتازينقرىً ومدنًا مطبوعة بالكاثوليكيّة.
في هذه الإفخارستيّا المهيبة، التي عاشها عدد كبير منالحاضرين بِمشاركة عميقة وتقوى، طلبتُ بحرارة أن يتمكّن أولئك الذين يقومونبالحجّ إلى سانتياغو من أن يتلقّوا هِبَة أن يصيروا شهودًا حقيقيّين للمسيح، الذي اكتشفوه مجدّدًا في تقاطع الطرق الخلاّبة نحو كومبوستيلا. صلّيتُ أيضًا كيما يواصل الحجّاج، على خطى العديد من القدّيسين الذين علىمرّ القرون قاموا بِـ “درب سانتياغو”، المحافظة على المعنى الدينيّ والروحيّ والتكفيريّ الأصيل، دون الإذعان للتفاهة والسهو والموضات. لقد كانذاك الدرب، وهو تشابك طرقات تقطع أراضٍ شاسعة مُشكّلةً شبكة عبرَ شبه جزيرة إيبيريا وأوروبّا، ولا يزال مكانَ لقاء رجال ونساء من مختلف الأصول،يوحّدهم البحث عن الإيمان وعن حقيقة أنفسهم، ويبعث على خبرات عميقة منالتقاسم والأخوّة والتضامن.
إنّه الإيمان بالمسيح بالتحديد الذي يُعطي معني لِكومبوستيلا، وهو مكان رائع روحيًّا، لا يزال يشكِّل نقطة مرجعيّةلأوروبّا اليوم في تشكيلاتها الجديدة ومنظوراتها. إنَّ الحفاظ على الأمورالسامية وتعزيز الانفتاح عليها، فضلاً عن إجراء حوار مُثمر بين الإيمان والعقل، بين السياسة والدين، بين الاقتصاد والأخلاق، سيسمح ببناء أوروبّابمقدورها، وهي وفيّة لجذورها المسيحيّة التي لا يمكن إغفالها، أن تستجيببِشكلٍ تامّ لدعوتها ورسالتها في العالم. لذلك دعوت أوروبا، وأنا أكيد منالإمكانيّات الهائلة للقارّة الأوروبيّة وواثق بمستقبل أملها، إلى الانفتاح أكثر فأكثر على الله، ما يساعد على احتمالات اللقاء الأصيل المُحترموالمُتضامن مع شعوب القارّات الأخرى وحضاراتها.
ثمّ كان لي الأحد فرح كبير حقًّا في ترؤّس تكريس كنيسة العائلة المقدّسة في برشلونة التي أعلنتُها بازيليك صُغرى. وأنا أتأمّل بِعظمة هذا البناء وجماله، الذي يدعو لرفع النظر والروح نحو العلى، نحوالله، كنت أتذكّر المباني الدينيّة الكبرى، ككاتدرائيّات العصور الوسطى،التي طبعت بعمق تاريخ المدن الرئيسيّة في أوروبّا ومظهرها. ذاك العمل الرائع - الغنيّ بالرموز الدينيّة، الثمين في تداخل الأشكال، الجذّاب فيتلاعب الأنوار والألوان – كأنّه منحوتة هائلة في الصخر، ثمرة إيمان أنطونيغاويدي العميق، وحسّه الروحيّ وموهبته الفنيّة، تُعيدنا إلى المعبد الحقيقيّ، مكان العبادة الحقيقيّة، أي السماء، حيثُ دخل المسيح ليظهر أماموجه الله من أجلنا (راجع رسالة القديس بولس إلى العبرانيّين 9، 24). لقدعرف المهندس المعماريّ العبقريّ كيف يمثّل، في هذا المعبد الرائع، بشكلٍ باهِر سرّ الكنيسة، التي يندمج فيها المؤمنون من خلال المعموديّة، كَحجارةحيّة، في تشييد بناء روحيّ (راجع رسالة بطرس الأولى 2، 5).
لقد تصوّر غاودي وصمّم كنيسة العائلة المقدّسة كما لوكانت تعليمًا مسيحيًّا كبيرًا حول يسوع المسيح، كنشيد شكر للخالق. ووضععبقريّته، في ذلك البناء الضخم، في خدمة الجمال. فالقدرة التعبيريّةالرائعة والرمزيّة للأشكال والزخارف الفنيّة، فضلاً عن التقنيّات المعماريّة والنحتيّة المُبتكرة، تُناجي المصدر الأسمى لكلّ جمال. واعتبرالمهندس المعماريّ الشهير هذا العمل رسالةً يشارك بها شخصيًّا بكليّته. اتّسمت حياته، منذ اللحظة التي قبل فيها مهمّة بناء تلك الكنيسة، بِتغيّرعميق. فبادر هكذا بِالقيام بِصلوات عميقة وصوم وفقر، إذ شعر بِضرورة إعداد نفسه روحيًّا ليكون قادرًا على التعبير في الواقع المادّي عن سرّ الله الذيلا يُسبر غوره. ويمكن القول إنّه حين كان غاودي يعمل في بناء المعبد، كانالله يبني في داخله مسكنًا روحيًّا (أفسس 2:22)، مقوّيًا إيّاه بِالإيمان ومقرِّبًا إيّاه أكثر فأكثر إلى العلاقة الحميميّة مع المسيح. لقد حقِّق فيقلب المدينة بناء لائِقًا بالله، ولهذا السبب، لائِقًا بالإنسان مستوحيًا باستمرار الطبيعة، عملِ الخالق، ومكرِّسًا نفسه بِشغف لمعرفة الكتابالمقّدس والليتورجيا.
لقد زرتُ أيضًا، في برشلونة، مؤسّسة Nen Déu الرائعة،وهي مبادرة تجاوز عمرها المائة عام، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتلك الأبرشيّة الكبرى، حيث يُعنى بالأطفال والشباب المعوقين بمهنيّة ومحبّة. فحياتهمثمينة في نظر الله، وهم يدعوننا باستمرار إلى الخروج من أنانيّتنا. في تلكالدار، كنت مُشاركًا في فرح راهبات القلبَين الأقدسَين الفرنسيسكانيّات ومحبّتهنّ العميقة غير المشروطة، وفي عمل الأطبّاء الكريم، والمربّين والكثيرين غيرهم من المهنيّين والمتطوّعين، الذين يعملون بتفانٍ جديربالتنويه في تلك المؤسّسة. وباركت أيضًا حجر الأساس لدار جديدة ستكون جزءًا من هذا العمل الخيريّ، حيث كلّ شيء يتحدّث عن المحبّة واحترام الشخص وكرامته والفرح العميق، لأنّ للإنسان قيمة في ذاته، وليس فقط في ما يقومبه.
بينما كنت في برشلونة، صلّيتُ بِحرارة من أجل العائلات، وهي خلايا المجتمع والكنيسة الحيويّة وأملهما. وتذكّرت أيضًا أولئك الذين يعانون، لا سيّما في أوقات الصعوبات الاقتصاديّة الجسيمة هذه. وفي الوقت نفسه، لم يغب عن بالي أن أصلّي من أجل الشبّان - الذين رافقوني طوال زيارتي إلى سانتياغو و برشلونة بِحماسهم وفرحهم - كيما يكتشفوا جمال الزواج وقيمته والتزامه، حيثُ يشكّل رجل وامرأة أسرة، تستقبل الحياة بسخاء وترافقها من الحمل حتّى نهايتها الطبيعيّة. فكلّ ما نقوم به لدعم الزواجوالأسرة، ولمساعدة الأشخاص الذين هم في أشدّ الحاجة، كل ّما ينمّي عظمةالإنسان وكرامته المصونة، يسهم في جعل المجتمع أكثر مثاليّة. ليس هناك منجهدٍ عبثيّ في هذا الصدد.
أيّها الأصدقاء الأعزّاء، أشكر الله على الأيام الكثيفة التي قضيتها في سانتياغو دي كومبوستيلا وبرشلونة. وأجدّد شكري لِملك إسبانيا وملكتها، ولأميرَي أستورياس وجميع السلطات. أوجّه مرّة أخرى امتناني ومودّتي لأخوتي رؤساء أساقفة هاتين الكنيستين الخاصّتين الأعزّاء ولمعاونيهم، وكذلك لأولئك الذين جهدوا بسخاء من أجل أن تكون زيارتي لهاتين المدينتين الرائعتَين مُثمرة. لقد كانت أيّامًا لا تُنتسى، وستظلّ مطبوعةفي قلبي! على وجه الخصوص، كان الاحتفالان الافخارستيَّان، اللذان جرىالإعداد لهما بعناية واللذان عاشهما بعمق جميع المؤمنين، من خلال التراتيل أيضًا، المُستمدّة من التقليد الموسيقيّ الكنسيّ الكبير ومن عبقريّةالمؤلّفين المُعاصرين على السواء، كانا لحظات فرح داخليّ حقيقيّ. فليكافئ الله الجميع، كما يعرف وحده بِأيّة طريقة؛ ولِتستمرَّ أمّ الله كليّة القداسة مع الرسول القدّيس يعقوب في مرافقة دربهم تحت حمايتهما. سوف أتوجّه في العام المقبل، إن شاء الله، من جديد إلى إسبانيا، إلى مدريد، للمشاركةباليوم العالميّ للشباب. أوكل منذ الآن لِصلاتكم هذه المبادرة المُدبّرة،بحيث تكون فرصة للِنموّ بالإيمان لشبّان كثيرين.
في كاتدرائيّة كومبوستيلا الضخمة، وفي قيامي بِتأثّربالعناق التقليديّ مع القدّيس، فكّرت كيف أنّ لفتة الترحيب والصداقة هذه هيأيضًا وسيلة للتعبير عن التمسّك بكلمته والمشاركة في مهمّته. وهي علامةقويّة الإرادتي بالتماثل مع الرسالة الرسوليّة، التي تُلزمنا، من جهة، أننكون الحرّاس المُخلصين للبُشرى السارّة التي نقلها الرُسُل، دون الوقوع فيتجربة تغييرها، والتقليل من قيمتها أو تطويعها لمصالح أخرى، ومن ناحية ثانية، تُحوِّل كلّ واحد منّا إلى مبشّر لا يكلّ للإيمان بِالمسيح، من خلالالكلمة وشهادة الحياة في جميع مجالات المجتمع.
وفي رؤيتي لعدد الحجّاج الحاضرين في القدّاس الإلهيالاحتفاليّ الذي كان لي فرح ترؤّسه في سانتياغو، كنت أفكِّر بما يدفعالكثير من الناس لِترك أشغالهم اليوميّة والقيام بمثل هذا الدرب التكفير يّنحو كومبوستيلا، وهو دربٌ طويل وشاقّ في بعض الأحيان: إنّها الرغبة فيالوصول إلى نور المسيح، الذي يتشوَّقون إليه في أعماق قلوبهم، على الرغم منأنّهم كثيرًا ما لا يعرفون كيف يعبّرون عنه جيّدًا بالكلام. ففي أوقات ضياعهم، وبحثهم، والصِعاب، وكذلك أيضًا في تطلّعاتهم إلى تقوية الإيمان والعيش على نحو أكثر اتّساقًا، يشرع حجّاجك ومبوستيلا بمسيرة توبة عميقة إلى المسيح، الذين حمل في ذاته ضعف الإنسانيّة وخطيئتة، وبؤس العالم،وحملها إلى حيث لا سلطة للشرّ، إلى حيث يضيء نور الخير كلّ شيء. إنّه شعبٌمن المشّائين الصامتين، الآتين من جميع أنحاء العالم، ليكتشفوا مجدّدًا تقاليد الحجّ المسيحيّة القديمة التي تعود إلى القرون الوسطى، مُجتازينقرىً ومدنًا مطبوعة بالكاثوليكيّة.
في هذه الإفخارستيّا المهيبة، التي عاشها عدد كبير منالحاضرين بِمشاركة عميقة وتقوى، طلبتُ بحرارة أن يتمكّن أولئك الذين يقومونبالحجّ إلى سانتياغو من أن يتلقّوا هِبَة أن يصيروا شهودًا حقيقيّين للمسيح، الذي اكتشفوه مجدّدًا في تقاطع الطرق الخلاّبة نحو كومبوستيلا. صلّيتُ أيضًا كيما يواصل الحجّاج، على خطى العديد من القدّيسين الذين علىمرّ القرون قاموا بِـ “درب سانتياغو”، المحافظة على المعنى الدينيّ والروحيّ والتكفيريّ الأصيل، دون الإذعان للتفاهة والسهو والموضات. لقد كانذاك الدرب، وهو تشابك طرقات تقطع أراضٍ شاسعة مُشكّلةً شبكة عبرَ شبه جزيرة إيبيريا وأوروبّا، ولا يزال مكانَ لقاء رجال ونساء من مختلف الأصول،يوحّدهم البحث عن الإيمان وعن حقيقة أنفسهم، ويبعث على خبرات عميقة منالتقاسم والأخوّة والتضامن.
إنّه الإيمان بالمسيح بالتحديد الذي يُعطي معني لِكومبوستيلا، وهو مكان رائع روحيًّا، لا يزال يشكِّل نقطة مرجعيّةلأوروبّا اليوم في تشكيلاتها الجديدة ومنظوراتها. إنَّ الحفاظ على الأمورالسامية وتعزيز الانفتاح عليها، فضلاً عن إجراء حوار مُثمر بين الإيمان والعقل، بين السياسة والدين، بين الاقتصاد والأخلاق، سيسمح ببناء أوروبّابمقدورها، وهي وفيّة لجذورها المسيحيّة التي لا يمكن إغفالها، أن تستجيببِشكلٍ تامّ لدعوتها ورسالتها في العالم. لذلك دعوت أوروبا، وأنا أكيد منالإمكانيّات الهائلة للقارّة الأوروبيّة وواثق بمستقبل أملها، إلى الانفتاح أكثر فأكثر على الله، ما يساعد على احتمالات اللقاء الأصيل المُحترموالمُتضامن مع شعوب القارّات الأخرى وحضاراتها.
ثمّ كان لي الأحد فرح كبير حقًّا في ترؤّس تكريس كنيسة العائلة المقدّسة في برشلونة التي أعلنتُها بازيليك صُغرى. وأنا أتأمّل بِعظمة هذا البناء وجماله، الذي يدعو لرفع النظر والروح نحو العلى، نحوالله، كنت أتذكّر المباني الدينيّة الكبرى، ككاتدرائيّات العصور الوسطى،التي طبعت بعمق تاريخ المدن الرئيسيّة في أوروبّا ومظهرها. ذاك العمل الرائع - الغنيّ بالرموز الدينيّة، الثمين في تداخل الأشكال، الجذّاب فيتلاعب الأنوار والألوان – كأنّه منحوتة هائلة في الصخر، ثمرة إيمان أنطونيغاويدي العميق، وحسّه الروحيّ وموهبته الفنيّة، تُعيدنا إلى المعبد الحقيقيّ، مكان العبادة الحقيقيّة، أي السماء، حيثُ دخل المسيح ليظهر أماموجه الله من أجلنا (راجع رسالة القديس بولس إلى العبرانيّين 9، 24). لقدعرف المهندس المعماريّ العبقريّ كيف يمثّل، في هذا المعبد الرائع، بشكلٍ باهِر سرّ الكنيسة، التي يندمج فيها المؤمنون من خلال المعموديّة، كَحجارةحيّة، في تشييد بناء روحيّ (راجع رسالة بطرس الأولى 2، 5).
لقد تصوّر غاودي وصمّم كنيسة العائلة المقدّسة كما لوكانت تعليمًا مسيحيًّا كبيرًا حول يسوع المسيح، كنشيد شكر للخالق. ووضععبقريّته، في ذلك البناء الضخم، في خدمة الجمال. فالقدرة التعبيريّةالرائعة والرمزيّة للأشكال والزخارف الفنيّة، فضلاً عن التقنيّات المعماريّة والنحتيّة المُبتكرة، تُناجي المصدر الأسمى لكلّ جمال. واعتبرالمهندس المعماريّ الشهير هذا العمل رسالةً يشارك بها شخصيًّا بكليّته. اتّسمت حياته، منذ اللحظة التي قبل فيها مهمّة بناء تلك الكنيسة، بِتغيّرعميق. فبادر هكذا بِالقيام بِصلوات عميقة وصوم وفقر، إذ شعر بِضرورة إعداد نفسه روحيًّا ليكون قادرًا على التعبير في الواقع المادّي عن سرّ الله الذيلا يُسبر غوره. ويمكن القول إنّه حين كان غاودي يعمل في بناء المعبد، كانالله يبني في داخله مسكنًا روحيًّا (أفسس 2:22)، مقوّيًا إيّاه بِالإيمان ومقرِّبًا إيّاه أكثر فأكثر إلى العلاقة الحميميّة مع المسيح. لقد حقِّق فيقلب المدينة بناء لائِقًا بالله، ولهذا السبب، لائِقًا بالإنسان مستوحيًا باستمرار الطبيعة، عملِ الخالق، ومكرِّسًا نفسه بِشغف لمعرفة الكتابالمقّدس والليتورجيا.
لقد زرتُ أيضًا، في برشلونة، مؤسّسة Nen Déu الرائعة،وهي مبادرة تجاوز عمرها المائة عام، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتلك الأبرشيّة الكبرى، حيث يُعنى بالأطفال والشباب المعوقين بمهنيّة ومحبّة. فحياتهمثمينة في نظر الله، وهم يدعوننا باستمرار إلى الخروج من أنانيّتنا. في تلكالدار، كنت مُشاركًا في فرح راهبات القلبَين الأقدسَين الفرنسيسكانيّات ومحبّتهنّ العميقة غير المشروطة، وفي عمل الأطبّاء الكريم، والمربّين والكثيرين غيرهم من المهنيّين والمتطوّعين، الذين يعملون بتفانٍ جديربالتنويه في تلك المؤسّسة. وباركت أيضًا حجر الأساس لدار جديدة ستكون جزءًا من هذا العمل الخيريّ، حيث كلّ شيء يتحدّث عن المحبّة واحترام الشخص وكرامته والفرح العميق، لأنّ للإنسان قيمة في ذاته، وليس فقط في ما يقومبه.
بينما كنت في برشلونة، صلّيتُ بِحرارة من أجل العائلات، وهي خلايا المجتمع والكنيسة الحيويّة وأملهما. وتذكّرت أيضًا أولئك الذين يعانون، لا سيّما في أوقات الصعوبات الاقتصاديّة الجسيمة هذه. وفي الوقت نفسه، لم يغب عن بالي أن أصلّي من أجل الشبّان - الذين رافقوني طوال زيارتي إلى سانتياغو و برشلونة بِحماسهم وفرحهم - كيما يكتشفوا جمال الزواج وقيمته والتزامه، حيثُ يشكّل رجل وامرأة أسرة، تستقبل الحياة بسخاء وترافقها من الحمل حتّى نهايتها الطبيعيّة. فكلّ ما نقوم به لدعم الزواجوالأسرة، ولمساعدة الأشخاص الذين هم في أشدّ الحاجة، كل ّما ينمّي عظمةالإنسان وكرامته المصونة، يسهم في جعل المجتمع أكثر مثاليّة. ليس هناك منجهدٍ عبثيّ في هذا الصدد.
أيّها الأصدقاء الأعزّاء، أشكر الله على الأيام الكثيفة التي قضيتها في سانتياغو دي كومبوستيلا وبرشلونة. وأجدّد شكري لِملك إسبانيا وملكتها، ولأميرَي أستورياس وجميع السلطات. أوجّه مرّة أخرى امتناني ومودّتي لأخوتي رؤساء أساقفة هاتين الكنيستين الخاصّتين الأعزّاء ولمعاونيهم، وكذلك لأولئك الذين جهدوا بسخاء من أجل أن تكون زيارتي لهاتين المدينتين الرائعتَين مُثمرة. لقد كانت أيّامًا لا تُنتسى، وستظلّ مطبوعةفي قلبي! على وجه الخصوص، كان الاحتفالان الافخارستيَّان، اللذان جرىالإعداد لهما بعناية واللذان عاشهما بعمق جميع المؤمنين، من خلال التراتيل أيضًا، المُستمدّة من التقليد الموسيقيّ الكنسيّ الكبير ومن عبقريّةالمؤلّفين المُعاصرين على السواء، كانا لحظات فرح داخليّ حقيقيّ. فليكافئ الله الجميع، كما يعرف وحده بِأيّة طريقة؛ ولِتستمرَّ أمّ الله كليّة القداسة مع الرسول القدّيس يعقوب في مرافقة دربهم تحت حمايتهما. سوف أتوجّه في العام المقبل، إن شاء الله، من جديد إلى إسبانيا، إلى مدريد، للمشاركةباليوم العالميّ للشباب. أوكل منذ الآن لِصلاتكم هذه المبادرة المُدبّرة،بحيث تكون فرصة للِنموّ بالإيمان لشبّان كثيرين.