إخوتي وأخواتي الأعزّاء،
أود أن أكلّمكم اليوم عن أنجيلا من فولينيو، وهيمتصوّفة كبيرة من العصور الوسطى عاشت في القرن الثالث عشر. عادةً ما تجذبناذروة تجربة الاتّحاد مع الله التي وصلت إليها، لكنّنا نعير ربّما القليلمن الاهتمام لخطواتها الأولى وتوبتها والدرب الطويل الذي قادها من نقطةالانطلاق، “الخوف الكبير من الجحيم”، إلى الهدف، إلى الاتّحاد التامّ بالثالوث.
أود أن أكلّمكم اليوم عن أنجيلا من فولينيو، وهيمتصوّفة كبيرة من العصور الوسطى عاشت في القرن الثالث عشر. عادةً ما تجذبناذروة تجربة الاتّحاد مع الله التي وصلت إليها، لكنّنا نعير ربّما القليلمن الاهتمام لخطواتها الأولى وتوبتها والدرب الطويل الذي قادها من نقطةالانطلاق، “الخوف الكبير من الجحيم”، إلى الهدف، إلى الاتّحاد التامّ بالثالوث.
فالجزء الأوّل من حياة أنجيلا ليس بالتأكيد حياة تلميذة متّقدةبالربّ. ولدت حوالي العام 1248 من عائلة ميسورة، وبقيت يتيمة الأب فربَّتهاأمّها بِشكلٍ سطحيّ نوعًا ما. تعرّفت باكرًا إلى أوساط مدينة فولينيوالدنيويّة، حيث تعرّفت إلى رجل، وتزوّجته في سنّها العشرين، وأنجبت منهأطفالاً. كانت حياتها فارغة البال، حتّى أنّها سمحت لِنفسها باحتقار مايسمى بِـ “التائبين” - المنتشرين جدًّا في تلك الحقبة – الذين كانوا يبيعونممتلكاتهم من أجل اتّباع المسيح ويعيشون في الصلاة والصوم وفي خدمةالكنيسة وأعمال الخير.
أثّرت بعض الأحداث، كالزلزال العنيف الذي وقع عام 1279وأحد الأعاصير والحرب الطويلة ضدّ مدينة بيروجّا وعواقبها الوخيمة، على حياة أنجيلا، التي أصبحت تدريجيًّا على بيّنة من خطاياها، حتّى الخطوة الحاسمة: فقد ابتهلت إلى القدّيس فرنسيس، الذي تراءى لها، لِتطلب مشورته منأجل اعتراف عامّ جيّد تقوم به: نحن في العام 1285، واعترفت أنجيلا لدى أخفي سان فيليتشانو: وبعد ثلاث سنوات، عرفت طريق التوبة تحوّلاً آخر: تفكّكأواصرها العاطفيّة، حيث فقدت في بضعة أشهر والدتها ثمّ تبعتها وفاة زوجها وأولادها جميعهم. حينئذ باعت كلّ ممتلكاتها وانضمّت عام 1291 إلى الرهبنة الثالثة للقدّيس فرنسيس. وتوفّيت في فولينيو في 4 كانون الثاني/يناير 1309.
يروي “كتاب الطوباويّة أنجيلا من فولينيو”، الذي يجمعالوثائق حول طوباوّيتنا، هذه التوبة؛ فيُشير إلى الوسائل اللاّزمة: التكفيرعن الذنب، والتواضع والمحن، ويروي الخطوات، وتسلسل خبرات أنجيلا، التيبدأت عام 1285. وقد حاولت وهي تتذكّرها، بعد أن عاشتها، أن تُخبرنا عنها منخلال الأخ المعرِّف، الذي نقلها حرفيًّا بإخلاص مُحاولاً فيما بعد تنظيمهاعلى مراحل، وصفها بِـ “الخطوات أو التحوّلات”، ولكن دون أن يتمكّن منترتيبها بشكلٍ كامل (راجع كتاب الطوباويّة أنجيلا من فولينيو، تشينيزيللوبالسامو 1990، ص 51). وذلك لأنّ تجربة اتّحاد الطوباويّة أنجيلا هي إشراككامل للحواسّ الروحيّة والجسديّة، وممّا “تفهمه” أثناء النشوة يبقى، إذا ماجاز التعبير، شبه “ظلّ” فقط في ذهنها. واعترفت القدّيسة بعد اختطاف تصوّفيقائلة: “لقد سمعتُ هذه الكلمات حقًّا، ولكن ما رأيته وفهمته، وما أظهره ليتعالى، لا أعرف بأيّ وسيلة يمكنني البوح به، رغم أنّني كنت سأكشف بِطيبةخاطِر ما فهمتُه من الكلمات التي سمعتها، ولكنّها كانت هاوية لا توصف علىالاطلاق”. تعرض أنجيلا من فولينيو “ما عاشته” بشكلٍ تصوّفي، دون معالجته عنطريق العقل، لأنّها عبارة عن استنارات إلهيّة تتواصل مع نفسها بِشكلٍمفاجئ وغير متوقّع. حتّى أنّ الأخ المعرِّف يجد صعوبة في نقل هذه الأحداثكتابيًّا، “ويعود ذلك جزئيًا إلى تحفّظها الكبير والمدهش بخصوص العطاياالإلهيّة” (المرجع نفسه، ص 194). وتُضاف إلى صعوبة أنجيلا للتعبير عنتجربتها الصوفيّة صعوبةُ فهمها من قبل مُستمعيها. وهي حالةٌ تُظهر بوضوحكيف أنّ المعلّم الحقيقي الوحيد، يسوع، يعيش في قلب كلّ مؤمن ويبغي امتلاكهبالكامل. وهكذا في أنجيلا، التي كتبت لأحد أبنائها الروحيّين: “يا بنيّ،إذا رأيت قلبي، سوف تكون مُجبرًا حتمًا على القيام بكلّ الأشياء التييريدها الله، لأنّ قلبي هو قلب الله وقلب الله قلبي”. وهنا يتردّد صدىكلمات القدّيس بولس: “فلستُ بعد أنا الحيّ بل المسيح هو الحيّ فيَّ" (غلاطية 2، 20).
لِنراجع إذن بضع “خطوات” درب طوباويّتنا الروحيّالغنيّ. الخطوة الأولى، في الواقع، عبارة عن مقدّمة: “لقد كانت معرفةالخطيئة، -كما تقول بدقّة - خافت بعدها روحي خوفًا عظيمًا من الهلاك؛ فبكتفي هذه الخطوة بكاءً مرًّا” (كتاب الطوباويّة أنجيلا من فولينيو، ص 39). يُجيب هذا "الخوف" من الجحيم على نوع الإيمان الذي كان عند أنجيلا زمن “توبتها”؛ إيمانٌ لا يزال يفتقر إلى المحبّة، أي إلى محبّة الله. وتفتحالتوبة والخوف من الجحيم والتكفير عن الذنب أمام أنجيلا إمكانيّة “دربصليب” مؤلم سوف تحملها، من الخطوة الثامنة إلى الخامسة عشر، على “دربالمحبّة”. يروي الأخ المُعرِّف: “قالت لي المؤمنة: لقد كان لي هذا الوحيالإلهيّ: «بعد الأشياء التي كتبتها، اجعليه يكتب أنّ أيّ شخص يريد أن يحافظعلى النعمة لا يجب أن يحوّل عيني نفسه عن الصليب، أكان في الفرح أو فيالحزن الذي أمنحه إيّاه أو أسمح به»” (المرجع نفسه، ص 143). لكنّ أنجيلا فيهذه المرحلة، “لا تشعر بالمحبّة” بعد؛ وتؤكِّد قائلة: “تشعر الروح بالخجلوالمرارة ولا تختبر المحبّة، بل الألم” (المرجع نفسه، ص 39)، وهي لذلك غيرراضية.
تشعر أنجيلا بأنّه يجب عليها أن تقدّم شيئًا لله للتكفير عن خطاياها،ولكنّها تدرك ببطء أنّه ليس لديها ما تقدّمه إليه تعالى، لا بل “أنّها عدمٌ” أمامه، وتدرك أن ليست إرادتها من ستعطيها محبّة الله، لأنّ هذهالإرادة يمكنها فقط أن تعطيها “عدمها”، “اللامحبّة”. كما سوف تقول: وحدها “المحبّة الحقيقيّة النقيّة، التي تأتي من عند الله، تكمن في النفس وتجعلها تعترف بِعيوبها وبالطيبة الإلهيّة [...] هذه المحبّة تحمل النفس إلىالمسيح وتفهم بالتأكيد أنّه لا يمكن أن تحدث أو تكون هناك أيّة خدعة. ولايمكن مزج أيّ شيء ممّا هو في العالم مع هذه المحبّة” (المرجع نفسه، ص 124-125). يكفي الانفتاح كليًّا على محبّة الله، التي تجد تعبيرها الأقصى في المسيح: فتُصلّي “اجعلني يا إلهي مُستحقّة أن أعرف السرّ العليّ، الذيحقّقته محبّتك المتّقدة الفائقة الوصف، مع محبّة الثالوث، أي سرّ تجسّدكالكليّ القداسة الكبير من أجلنا. [...]. أيّتها المحبّة غير القابلةللإدراك! فوق هذه المحبّة، التي دفعت إلهي لأن يجعل نفسه إنسانًا ليجعلنيالهًا، ليست هناك محبّة أكبر من هذه” (المرجع نفسه، ص 295). ومع ذلك، يحملقلب أنجيلا دائمًا جراح الخطيئة؛ وحتّى بعد اعتراف قامت به بشكل جيّد، كانتتجد نفسها في الوقت نفسه مُسامَحة ومُتعبة بالخطيئة، حرّة من قيود الماضي وخاضعة لها، مغفورًا لها وبِحاجة إلى التكفير. وكان يراودها أيضًا التفكيربالجحيم لأنّه كلّما تقدّمت الروح على طريق الكمال المسيحيّ، كلّما أصبحتأكثر قناعة بأنّها ليست فقط “غير مستحقّة”، بل إنّها تستحقّ الجحيم.
أثّرت بعض الأحداث، كالزلزال العنيف الذي وقع عام 1279وأحد الأعاصير والحرب الطويلة ضدّ مدينة بيروجّا وعواقبها الوخيمة، على حياة أنجيلا، التي أصبحت تدريجيًّا على بيّنة من خطاياها، حتّى الخطوة الحاسمة: فقد ابتهلت إلى القدّيس فرنسيس، الذي تراءى لها، لِتطلب مشورته منأجل اعتراف عامّ جيّد تقوم به: نحن في العام 1285، واعترفت أنجيلا لدى أخفي سان فيليتشانو: وبعد ثلاث سنوات، عرفت طريق التوبة تحوّلاً آخر: تفكّكأواصرها العاطفيّة، حيث فقدت في بضعة أشهر والدتها ثمّ تبعتها وفاة زوجها وأولادها جميعهم. حينئذ باعت كلّ ممتلكاتها وانضمّت عام 1291 إلى الرهبنة الثالثة للقدّيس فرنسيس. وتوفّيت في فولينيو في 4 كانون الثاني/يناير 1309.
يروي “كتاب الطوباويّة أنجيلا من فولينيو”، الذي يجمعالوثائق حول طوباوّيتنا، هذه التوبة؛ فيُشير إلى الوسائل اللاّزمة: التكفيرعن الذنب، والتواضع والمحن، ويروي الخطوات، وتسلسل خبرات أنجيلا، التيبدأت عام 1285. وقد حاولت وهي تتذكّرها، بعد أن عاشتها، أن تُخبرنا عنها منخلال الأخ المعرِّف، الذي نقلها حرفيًّا بإخلاص مُحاولاً فيما بعد تنظيمهاعلى مراحل، وصفها بِـ “الخطوات أو التحوّلات”، ولكن دون أن يتمكّن منترتيبها بشكلٍ كامل (راجع كتاب الطوباويّة أنجيلا من فولينيو، تشينيزيللوبالسامو 1990، ص 51). وذلك لأنّ تجربة اتّحاد الطوباويّة أنجيلا هي إشراككامل للحواسّ الروحيّة والجسديّة، وممّا “تفهمه” أثناء النشوة يبقى، إذا ماجاز التعبير، شبه “ظلّ” فقط في ذهنها. واعترفت القدّيسة بعد اختطاف تصوّفيقائلة: “لقد سمعتُ هذه الكلمات حقًّا، ولكن ما رأيته وفهمته، وما أظهره ليتعالى، لا أعرف بأيّ وسيلة يمكنني البوح به، رغم أنّني كنت سأكشف بِطيبةخاطِر ما فهمتُه من الكلمات التي سمعتها، ولكنّها كانت هاوية لا توصف علىالاطلاق”. تعرض أنجيلا من فولينيو “ما عاشته” بشكلٍ تصوّفي، دون معالجته عنطريق العقل، لأنّها عبارة عن استنارات إلهيّة تتواصل مع نفسها بِشكلٍمفاجئ وغير متوقّع. حتّى أنّ الأخ المعرِّف يجد صعوبة في نقل هذه الأحداثكتابيًّا، “ويعود ذلك جزئيًا إلى تحفّظها الكبير والمدهش بخصوص العطاياالإلهيّة” (المرجع نفسه، ص 194). وتُضاف إلى صعوبة أنجيلا للتعبير عنتجربتها الصوفيّة صعوبةُ فهمها من قبل مُستمعيها. وهي حالةٌ تُظهر بوضوحكيف أنّ المعلّم الحقيقي الوحيد، يسوع، يعيش في قلب كلّ مؤمن ويبغي امتلاكهبالكامل. وهكذا في أنجيلا، التي كتبت لأحد أبنائها الروحيّين: “يا بنيّ،إذا رأيت قلبي، سوف تكون مُجبرًا حتمًا على القيام بكلّ الأشياء التييريدها الله، لأنّ قلبي هو قلب الله وقلب الله قلبي”. وهنا يتردّد صدىكلمات القدّيس بولس: “فلستُ بعد أنا الحيّ بل المسيح هو الحيّ فيَّ" (غلاطية 2، 20).
لِنراجع إذن بضع “خطوات” درب طوباويّتنا الروحيّالغنيّ. الخطوة الأولى، في الواقع، عبارة عن مقدّمة: “لقد كانت معرفةالخطيئة، -كما تقول بدقّة - خافت بعدها روحي خوفًا عظيمًا من الهلاك؛ فبكتفي هذه الخطوة بكاءً مرًّا” (كتاب الطوباويّة أنجيلا من فولينيو، ص 39). يُجيب هذا "الخوف" من الجحيم على نوع الإيمان الذي كان عند أنجيلا زمن “توبتها”؛ إيمانٌ لا يزال يفتقر إلى المحبّة، أي إلى محبّة الله. وتفتحالتوبة والخوف من الجحيم والتكفير عن الذنب أمام أنجيلا إمكانيّة “دربصليب” مؤلم سوف تحملها، من الخطوة الثامنة إلى الخامسة عشر، على “دربالمحبّة”. يروي الأخ المُعرِّف: “قالت لي المؤمنة: لقد كان لي هذا الوحيالإلهيّ: «بعد الأشياء التي كتبتها، اجعليه يكتب أنّ أيّ شخص يريد أن يحافظعلى النعمة لا يجب أن يحوّل عيني نفسه عن الصليب، أكان في الفرح أو فيالحزن الذي أمنحه إيّاه أو أسمح به»” (المرجع نفسه، ص 143). لكنّ أنجيلا فيهذه المرحلة، “لا تشعر بالمحبّة” بعد؛ وتؤكِّد قائلة: “تشعر الروح بالخجلوالمرارة ولا تختبر المحبّة، بل الألم” (المرجع نفسه، ص 39)، وهي لذلك غيرراضية.
تشعر أنجيلا بأنّه يجب عليها أن تقدّم شيئًا لله للتكفير عن خطاياها،ولكنّها تدرك ببطء أنّه ليس لديها ما تقدّمه إليه تعالى، لا بل “أنّها عدمٌ” أمامه، وتدرك أن ليست إرادتها من ستعطيها محبّة الله، لأنّ هذهالإرادة يمكنها فقط أن تعطيها “عدمها”، “اللامحبّة”. كما سوف تقول: وحدها “المحبّة الحقيقيّة النقيّة، التي تأتي من عند الله، تكمن في النفس وتجعلها تعترف بِعيوبها وبالطيبة الإلهيّة [...] هذه المحبّة تحمل النفس إلىالمسيح وتفهم بالتأكيد أنّه لا يمكن أن تحدث أو تكون هناك أيّة خدعة. ولايمكن مزج أيّ شيء ممّا هو في العالم مع هذه المحبّة” (المرجع نفسه، ص 124-125). يكفي الانفتاح كليًّا على محبّة الله، التي تجد تعبيرها الأقصى في المسيح: فتُصلّي “اجعلني يا إلهي مُستحقّة أن أعرف السرّ العليّ، الذيحقّقته محبّتك المتّقدة الفائقة الوصف، مع محبّة الثالوث، أي سرّ تجسّدكالكليّ القداسة الكبير من أجلنا. [...]. أيّتها المحبّة غير القابلةللإدراك! فوق هذه المحبّة، التي دفعت إلهي لأن يجعل نفسه إنسانًا ليجعلنيالهًا، ليست هناك محبّة أكبر من هذه” (المرجع نفسه، ص 295). ومع ذلك، يحملقلب أنجيلا دائمًا جراح الخطيئة؛ وحتّى بعد اعتراف قامت به بشكل جيّد، كانتتجد نفسها في الوقت نفسه مُسامَحة ومُتعبة بالخطيئة، حرّة من قيود الماضي وخاضعة لها، مغفورًا لها وبِحاجة إلى التكفير. وكان يراودها أيضًا التفكيربالجحيم لأنّه كلّما تقدّمت الروح على طريق الكمال المسيحيّ، كلّما أصبحتأكثر قناعة بأنّها ليست فقط “غير مستحقّة”، بل إنّها تستحقّ الجحيم.
وهكذا فهمت أنجيلا، في دربها الصوفيّ، بطريقةٍ عميقةالواقعَ الجوهريّ: إنّ ما يخلّصها من “عدم استحقاقها” و“استحقاق الجحيم” لنيكون “اتّحادها بالله” وامتلاكها “الحقّ”، بل يسوع المصلوب، “صلبه منأجلي”، محبّته. تقول في الخطوة الثامنة: “لكنّني لم أكن أفهم ما إذا كانخيرًا أكبر تحرُّري من الخطيئة والجحيم والتوبة والتكفير، أو صلبه لأجلي” (المرجع نفسه، ص 41). إنّه التوازن غير المستقرّ بين المحبّة والألم، والذيشعرت به خلال كاملّ دربها الصعب نحو الكمال. وهي لهذا بالتحديد تفضّلالتأمّل بالمسيح المصلوب، لأنّها ترى في هذه الرؤية تحقّق التوازنالمثاليّ: على الصليب هناك الإنسان الإله، في عمل سامٍ من العذاب هو علامةسامية للمحبّة. وتُشدِّد الطوباويّة في التعليم الثالث على هذا التأمّلمؤكِّدة: “كلّما كنّا نرى بِشكلٍ كامِل ونقيّ، كلّما أحببنا بِشكلٍ كاملونقيّ. [...] لهذا كلّما نظرنا أكثر إلى الله والإنسان يسوع المسيح، كلّماتحوّلنا أكثر بواسطته من خلال المحبّة. [...] وما قلتُه عن المحبّة [...] أقوله أيضًا عن الألم: حين تتأمّل النفس بالألم العظيم الذي عاناه يسوعالمسيح الإله والإنسان، فهي تحزن كثيرًا وتتحوّل إلى ألم” (المرجع نفسه، ص 190-191). التماثل والتحوّل في محبّة المسيح المصلوب وآلامه، والتماهي معه. سوف تصل توبة أنجيلا، التي بدأت باعتراف عام 1285، إلى النضوج فقط عندماتظهر مغفرة الله لنفسها كَعطيّة مجانيّة من محبّة الآب، ينبوع المحبّة، حيثتؤكِّد أنّه “لا يمكن لأحد تقديم اعتذارات، لأنّ أيّ شخص يمكنه أن يحبّالله، وهو تعالى لا يطلب من النفس البشريّة إلاّ أن تحبّه، لأنّه يحبّهاوهي حبّه” (المرجع نفسه، ص 76).
في مسيرة أنجيلا الروحيّة تحدث النقلة من التوبة إلىالتجربة الصوفيّة، ممّا يمكننا التعبير عنه إلى ما نعجز عن التعبير عنه، منخلال المصلوب. إنّه “الإله الإنسان المتألّم”، الذي أصبح “معلّمها فيالكمال”. فكلّ خبرتها الصوفيّة هي اتّجاه نحو “التشابه” الكامل معه، منخلال تطهّرات وتحوّلات أكثر عمقًا وجذريّة. وتنخرط أنجيلا في هذا المشروعالرائع بكلّيّتها، روحًا وجسدًا، دون أن توفّر على نفسها أيًّا منالتكفيرات والمحن، منذ البداية وحتّى النهاية، راغبةً في الموت مع كلّالآلام التي عانى منها الإله الإنسان المصلوب كيما تتحوّل كليًّا فيه: فكانت توصي قائلة: “يا أبناء الله، تحوّلوا كليًّا إلى الإله الإنسانالمتألِّم، الذي أحبّكم لدرجة استحقاقه الموت من أجلكم بِموت مُخزٍ للغايةومؤلم يفوق الوصف وبشكلٍ شاقّ ومرير جدًّا. وهذا حبًّا بك فقط، أيّهاالإنسان!” (المرجع نفسه، ص 247). يعني هذا التماثل أيضًا عيش ما عاشه يسوع: الفقر والاحتقار والألم، لأنّه - كما تؤكِّد - “بواسطة الفقر الوقتيّ ستجدالنفس ثروات خالدة؛ ومن خلال الازدراء والعار سوف تحصل على شرف عظيم ومجدكبير؛ ومن خلال القليل من التكفير عن الذنب، القائم على الألم والحزن،ستمتلك بعذوبة وعزاء لانهاية لهما الخير الأسمى، الله السرمديّ” (المرجعنفسه، ص 293).
من التوبة إلى الاتّحاد التصوّفي مع المسيح المصلوب،إلى ما لا يُمكن التعبير عنه. إنّه درب علويّ جدًّا، سرّه الصلاةالمستمرّة: تؤكِّد القدّيسة أنّه “كلّما صلّيتَ، كلّما استنرت؛ وكلّمااستنرت كلّما رأيت الخير الأسمى، الكائن الكلّي الصلاح، بشكلٍ أعمق وأقوى؛وكلّما رأيته بِشكلٍ أعمق وأقوى، كلّما ازددت حبًّا له؛ وكلّما ازددت حبًّاله، كلّما أبهجك؛ وكلّما أبهجك، كلّما فهمته وأصبحت قادرًا على فهمه. ومنثمّ سوف تصل إلى ملء النور، لأنّك سوف تفهم أنّك لا تستطيع أن تفهم” (المرجع نفسه، ص 184).
إخوتي وأخواتي الأعزّاء، لقد بدأت حياة القديسة أنجيلابِحياة دنيويّة، بعيدًا بما فيه الكفاية عن الله. ولكن بعد اللقاء معشخصيّة القديس فرنسيس، وأخيرًا، اللقاء مع المسيح المصلوب أيقظ نفسها إلىوجود الله، لأنّه وحدها مع الله تصبح الحياة حياةً حقيقيّة، لأنّها تصبح،في الألم بسبب الخطيئة، محبّة وفرحًا. وهكذا تُكلّمنا القدّيسة أنجيلا. نحناليوم جميعًا في خطر العيش كما لو كان الله غير موجود: يبدو بعيدًا للغايةعن الحياة اليوميّة. ولكن لدى الله ألف طريقة، لكلّ واحدٍ طريقه، كي يجعلنفسه حاضرًا في نفسنا، لِيُبيِّن أنّه موجود وأنّه يعرفني ويحبّني. تريدمنّا القديسة أنجيلا أن نتنبّه لهذه العلامات التي يمسّ الربّ بها الروح،أن نتنبّه لحضور الله، لنتعلّم هكذا الطريق مع الله وصوب الله، بالشراكة معالمسيح المصلوب. لِنصلِّ إلى الربّ كي يجعلنا نتنبّه إلى علامات حضوره،ويعلّمنا أن نعيش حقًّا. شكرًا.
في مسيرة أنجيلا الروحيّة تحدث النقلة من التوبة إلىالتجربة الصوفيّة، ممّا يمكننا التعبير عنه إلى ما نعجز عن التعبير عنه، منخلال المصلوب. إنّه “الإله الإنسان المتألّم”، الذي أصبح “معلّمها فيالكمال”. فكلّ خبرتها الصوفيّة هي اتّجاه نحو “التشابه” الكامل معه، منخلال تطهّرات وتحوّلات أكثر عمقًا وجذريّة. وتنخرط أنجيلا في هذا المشروعالرائع بكلّيّتها، روحًا وجسدًا، دون أن توفّر على نفسها أيًّا منالتكفيرات والمحن، منذ البداية وحتّى النهاية، راغبةً في الموت مع كلّالآلام التي عانى منها الإله الإنسان المصلوب كيما تتحوّل كليًّا فيه: فكانت توصي قائلة: “يا أبناء الله، تحوّلوا كليًّا إلى الإله الإنسانالمتألِّم، الذي أحبّكم لدرجة استحقاقه الموت من أجلكم بِموت مُخزٍ للغايةومؤلم يفوق الوصف وبشكلٍ شاقّ ومرير جدًّا. وهذا حبًّا بك فقط، أيّهاالإنسان!” (المرجع نفسه، ص 247). يعني هذا التماثل أيضًا عيش ما عاشه يسوع: الفقر والاحتقار والألم، لأنّه - كما تؤكِّد - “بواسطة الفقر الوقتيّ ستجدالنفس ثروات خالدة؛ ومن خلال الازدراء والعار سوف تحصل على شرف عظيم ومجدكبير؛ ومن خلال القليل من التكفير عن الذنب، القائم على الألم والحزن،ستمتلك بعذوبة وعزاء لانهاية لهما الخير الأسمى، الله السرمديّ” (المرجعنفسه، ص 293).
من التوبة إلى الاتّحاد التصوّفي مع المسيح المصلوب،إلى ما لا يُمكن التعبير عنه. إنّه درب علويّ جدًّا، سرّه الصلاةالمستمرّة: تؤكِّد القدّيسة أنّه “كلّما صلّيتَ، كلّما استنرت؛ وكلّمااستنرت كلّما رأيت الخير الأسمى، الكائن الكلّي الصلاح، بشكلٍ أعمق وأقوى؛وكلّما رأيته بِشكلٍ أعمق وأقوى، كلّما ازددت حبًّا له؛ وكلّما ازددت حبًّاله، كلّما أبهجك؛ وكلّما أبهجك، كلّما فهمته وأصبحت قادرًا على فهمه. ومنثمّ سوف تصل إلى ملء النور، لأنّك سوف تفهم أنّك لا تستطيع أن تفهم” (المرجع نفسه، ص 184).
إخوتي وأخواتي الأعزّاء، لقد بدأت حياة القديسة أنجيلابِحياة دنيويّة، بعيدًا بما فيه الكفاية عن الله. ولكن بعد اللقاء معشخصيّة القديس فرنسيس، وأخيرًا، اللقاء مع المسيح المصلوب أيقظ نفسها إلىوجود الله، لأنّه وحدها مع الله تصبح الحياة حياةً حقيقيّة، لأنّها تصبح،في الألم بسبب الخطيئة، محبّة وفرحًا. وهكذا تُكلّمنا القدّيسة أنجيلا. نحناليوم جميعًا في خطر العيش كما لو كان الله غير موجود: يبدو بعيدًا للغايةعن الحياة اليوميّة. ولكن لدى الله ألف طريقة، لكلّ واحدٍ طريقه، كي يجعلنفسه حاضرًا في نفسنا، لِيُبيِّن أنّه موجود وأنّه يعرفني ويحبّني. تريدمنّا القديسة أنجيلا أن نتنبّه لهذه العلامات التي يمسّ الربّ بها الروح،أن نتنبّه لحضور الله، لنتعلّم هكذا الطريق مع الله وصوب الله، بالشراكة معالمسيح المصلوب. لِنصلِّ إلى الربّ كي يجعلنا نتنبّه إلى علامات حضوره،ويعلّمنا أن نعيش حقًّا. شكرًا.