إخوتي وأخواتي الأعزّاء،
يسرّني أن أرحِّب بكم في هذه المقابلة العامّة الأولى للسنة الجديدة وأقدّم لكم ولِعائلاتكم من كلّ قلبي أطيب التمنيّات. فليقُد ربّ الزمن والتاريخ خُطانا على درب الخير ويمنح لكلّ منكم جزيل النِعَم والخيرات. وإذ لا نزال مغمورين بِنور الميلاد المقدّس، الذي يدعونا للبهجة بِمجيء المخلّص، نجد أنفسنا اليوم عشيّة عيد الدنح (الظهور المُشرق)، الذي نحتفل فيه بِظهور الربّ على جميع الأمم. عيد الميلاد يجذب اليوم كما في الماضي، أكثر من الأعياد الكنسيّة الرئيسيّة الأخرى؛ يجذب لأنّ الجميع يشعرون بطريقة ما أنّ ولادة يسوع لها علاقة بأعمق تطلّعات الإنسان وآماله. قد تُبعدنا ظاهرة الاستهلاك عن هذا الحنين الداخليّ، ولكن إذا كانت هناك رغبةٌ في القلب في اقتبال ذاك الطفل الذي يجلب جديدًا من الله، والذي أتى ليمنحنا الحياة بِملئها، فقد تصبح أضواء زينة الميلاد بالأحرى انعكاسًا للنور الذي أضاء بتجسّد الله.
يسرّني أن أرحِّب بكم في هذه المقابلة العامّة الأولى للسنة الجديدة وأقدّم لكم ولِعائلاتكم من كلّ قلبي أطيب التمنيّات. فليقُد ربّ الزمن والتاريخ خُطانا على درب الخير ويمنح لكلّ منكم جزيل النِعَم والخيرات. وإذ لا نزال مغمورين بِنور الميلاد المقدّس، الذي يدعونا للبهجة بِمجيء المخلّص، نجد أنفسنا اليوم عشيّة عيد الدنح (الظهور المُشرق)، الذي نحتفل فيه بِظهور الربّ على جميع الأمم. عيد الميلاد يجذب اليوم كما في الماضي، أكثر من الأعياد الكنسيّة الرئيسيّة الأخرى؛ يجذب لأنّ الجميع يشعرون بطريقة ما أنّ ولادة يسوع لها علاقة بأعمق تطلّعات الإنسان وآماله. قد تُبعدنا ظاهرة الاستهلاك عن هذا الحنين الداخليّ، ولكن إذا كانت هناك رغبةٌ في القلب في اقتبال ذاك الطفل الذي يجلب جديدًا من الله، والذي أتى ليمنحنا الحياة بِملئها، فقد تصبح أضواء زينة الميلاد بالأحرى انعكاسًا للنور الذي أضاء بتجسّد الله.
لقد عشنا في الاحتفالات الليتورجيّة لِهذه الأيام المقدّسة بشكلٍ أسراريّ ولكن واقعيّ دخول ابن الله العالم، فنوّرنا مرّة أُخرى بِضياء سطوعه. كلّ احتفال هو حضور آنيّ لِسرّ المسيح وبه يمتدّ تاريخ الخلاص. وفي الحديث عن الميلاد، يؤكِّد القدّيس البابا لاوون الكبير قائلا: “حتّى ولو مضى الآن تتابُع الأعمال الجسديّة، كما ترتَّب مسبقًا في تدبير الخلاص الأبديّ...، إلّا أنّنا نعبد باستمرار الولادة نفسها التي أتت بها العذراء والتي تؤدّي إلى خلاصنا” (عظة حول ميلاد الربّ 29، 2)، ويُحدِّد قائلا: “لأنّ ذلك اليوم ما مضى بمعنى أنّ قدرة العمل التي ظهرت حينها قد مضت هي أيضًا” (عظة حول الدنح 36، 1). فالاحتفال بأحداث تجسّد ابن الله ليس مجرّد ذكرى لأحداث من الماضي، بل يجعل تلك الأسرار الخلاصيّة حاضرة. ففي الليتورجيا، وفي الاحتفال بالأسرار، تصبح تلك الأسرار آنيّة وفعّالة لنا اليوم. يؤكِّد أيضًا القدّيس لاوون الكبير: “كلّ ما قام به ابن الله وعلَّمه لِيُصالح العالم، لا نعرفه فقط من خلال رواية أعمال تمّت في الماضي، بل نحن تحت تأثير ديناميّة هذه الأعمال الحاضرة” (عظة 52 ،1).
في قانون الليتورجيا المقدّسة، يشدِّد المجمع الفاتيكانيّ الثاني على أنّ عمل الخلاص الذي أنجزه المسيح يستمرّ في الكنيسة من خلال الاحتفال بالأسرار المقدّسة، بِفضل عمل الروح القدس. ففي العهد القديم، في السير نحو ملء الإيمان، لدينا شهادات حول أنّ حضور الله وعمله يتمّ بواسطة علامات، على سبيل المثال، علامة النار (راجع سفر الخروج 3، 2 وما يلي؛ 19، 18). ولكن ابتداءً من التجسّد يحدث شيءٌ مُذهل، إذ يتحوّل نظام الاتّصال الخلاصيّ بالله جذريًّا ويصبح الجسد أداة الخلاص: “Verbum caro factum est” و“الكلمة صار جسدًا”، يكتب يوحنّا الإنجيليّ ويؤكِّد ترتليانوس وهو مؤلِّف مسيحيّ من القرن الثالث: “Caro salutis est cardo”، “الجسد هو محور الخلاص” (حول قيامة الجسد، 8،3: ب ل 2، 806).
يمثِّل عيد الميلاد منذ الآن باكورة الـ“sacramentum-mysterium paschale”، أي بداية سرّ الخلاص الجوهريّ الذي يبلغ ذروته في آلام المسيح وموته وقيامته، لأنّ يسوع يبدأ منذ أوّل لحظة وجودَه الإنسانيّ في أحشاء مريم العذراء بِبذل ذاته بمحبّة. ليلة الميلاد مرتبطة إذًا بِعمق بعشيّة الفصح، عندما يتمّ الفداء في تضحية الربّ المائت والقائم من الموت المجيدة. وتُشير المغارة بذاتها، كَصورة عن تجسّد الكلمة، وعلى ضوء قصّة الإنجيل، منذ الآن إلى عيد الفصح، ومن المثير للاهتمام رؤية كيف أنّ بعض أيقونات الميلاد في التقليد الشرقيّ تُمثِّل الطفل يسوع مقمّطًا ومضجعًا في مذود له شكل قبر؛ في إشارة إلى اللحظة التي سوف يُنزل فيها عن الصليب، ملفوفًا في كفن، ويوضع في قبر منحوت في الصخر (راجع إنجيل لوقا 2، 7؛ 23، 53). ليس التجسّد والفصح الواحد بجانب الآخر، بل هما نقطتان رئيسيّتان لا تنفصلان للإيمان الواحد بِيسوع المسيح، ابن الله المُتجسّد والفادي. فالصليب والقيامة يفترضان سلفًا التجسّد. وذلك فقط لأنّ الابن، وبه الله نفسه، “قد نزل” حقًّا و “صار جسدًا”، أصبح موت يسوع وقيامته حدثان معاصران لنا، يخصّاننا، ينتزعاننا من الموت ويفتحان لنا مستقبل يدخل فيه هذا “الجسد”، هذا الوجود الأرضيّ العابر، في أبديّة الله. من هذا المنظور الوحدويّ لِسرّ المسيح، تُوجّهنا زيارة المغارة إلى زيارة القربان المقدّس، حيث نلتقي المسيح المصلوب والقائم من الموت، المسيح الحي، حاضرًا بِشكلٍ واقعيّ.
ليس الاحتفال الليتورجيّ بالميلاد إذًا مجرّد تذكار، بل قبل كلّ شيء سرّ؛ ليس ذاكرة فحسب، بل أيضًا حضور. ولإدراك معنى هذين المظهرين المُتلازمين، يجب أن نعيش بشكل عميق كلّ الزمن الميلاديّ كما تقدِّمه الكنيسة. وإذا اعتبرناه بمعناه الأوسع، فهو يمتدّ لفترة أربعين يومًا، من 25 كانون الأوّل/ديسمبر إلى 2 شباط/فبراير، من الاحتفال في ليلة الميلاد، إلى أمومة مريم، إلى الدنح (الغِطاس)، إلى عمادة يسوع، إلى عرس قانا الجليل، إلى تقدمة المسيح إلى الهيكل، في تشابه مع زمن عيد الفصح بالتحديد، الذي يشكِّل وحدة من خمسين يومًا، حتّى عيد العنصرة. فظهور الله في الجسد هو الحدث الذي كشف عن الحقّ في التاريخ. في الواقع، إنّ تاريخ 25 كانون الأوّل/ديسمبر، المُرتبط بِفكرة تجليّ الشمس- رمزًا عن الله الذي يظهر كنور لا يغيب في أفق التاريخ -، يُذكِّرنا بأنّه ليس مجرّد فكرة، فكرة أنّ الله هو ملء النور، بل واقع قد تحقَّق بالنسبة لنا نحن البشر لا يزال آنيًّا دومًا: اليوم، كما حينها، يكشف الله عن ذاته في الجسد، أي في “الجسم الحيّ” للكنيسة الحاجّة في الزمن، ويمنحنا اليوم الخلاص بالأسرار.
تقدّم رموز احتفالات عيد الميلاد، التي تذكرها القراءات والصلوات، لليتورجيا هذا الزمن معنىً عميقًا لِـ “دِنْح” الله في مسيحه-الكلمة المتجسّد، أي “الظهور” الذي يكتسب أيضًا معنًى إسكاتولوجيًّا، يوجِّهنا إلى الأزمنة الأخيرة كلمة دِنْح السريانية، ] كلمة دِنْح السريانية، مثلها مثل كلمةEpiphaneia اليونانية تعني تحديدًا الـ“الظهور”. (ملاحظة المترجم) [. ففي زمن المجيء، كان المجيئان، المجيء التاريخيّ والمجيء في نهاية التاريخ، مرتبطان مباشرة؛ لكنّ التجليّ المسيحانيّ يُحتفل به بِمنظور الانتظارات الإسكاتولوجيّة في الدنح وعماد يسوع على الأخصّ: التكريس المسيحانيّ لِيسوع، الكلمة المتجسِّد، من خلال حلول الروح القدس بِشكلٍ مرئيّ، يقود إلى اكتمال زمن الوعود ويفتتح الأزمنة الأخيرة.
يجب تحرير هذا الزمن الميلاديّ من طلاء جدّ أخلاقيّ وعاطفيّ. فاحتفال الميلاد لا يعرض علينا فقط أمثلة للاقتداء بها، مثل تواضع الربّ وفقره، وطيبته ومحبّته تجاه البشر؛ بل هو بالأحرى دعوة لنترك مَن دخل في جسدنا يحوّلنا تمامًا. يهتف القدّيس لاوون الكبير قائلا: “لقد اتّحد بنا ابن الله وجعلنا نتّحد به بحيث أنّ نزول الله إلى حالة الإنسان تصبح إعلاءً للإنسان إلى أعالي الله" (عظة ميلاد الربّ 27، 2). يهدف ظهور الله إلى إشتراكنا بالحياة الإلهيّة، وتحقيق سرّ تجسده فينا. هذا السرّ هو اكتمال دعوة الإنسان. يُفسِّر القديس لاوون الكبير أيضًا أهميّة سرّ الميلاد العمليّة والحاضرة أبدًا في الحياة المسيحيّة: “تؤجِّج كلمات الإنجيل والأنبياء روحنا وتعلّمنا أن نفهم ميلاد الربّ، سرّ هذا الكلمة الذي صار جسدًا، لا كذكرى حدث سابق، بل كَحدث يجري أمام أعيننا... إنّه كما لو يُعلن لنا في احتفال اليوم: «ها أنا أبشِّركم بفرحٍ عظيم، يكون للشعب كلِّه: لأنه وُلد لكم اليوم مخلّص، هو المسيح الربّ، في مدينة داوود» (عظة ميلاد الربّ 29، 1). ويضيف: “اعترف أيّها المسيحيّ بكرامتك، وبما أنّك أصبحت مُشاركًا في الطبيعة الإلهيّة، احرص على عدم الوقوع مجدّدًا، بِسلوكك غير اللائق، من هذه العظمة إلى البؤس السابق” (العظة الأولى حول ميلاد الربّ، 3).
أيّها الأصدقاء الأعزّاء، لِنعش هذا الزمن الميلاديّ بِحرارة: نحن مدعوّون، بعد التعبّد لابن الله الذي صار بشرًا ووُضع في المذود، لِلانتقال إلى مذبح التضحية، حيث يبذل المسيح، الخبز الحيّ النازل من السماء، ذاتَه من أجلنا كقوتٍ حقيقيّ للحياة الأبديّة. وذاك الذي رأيناه بأعيننا، على مائدة الكلمة وخبز الحياة، والذي أبصرناه، والذي لمسته أيدينا، أي الكلمة التي صار جسدًا، لِنبشِّر به العالم بفرح ولنشهد له بِسخاء في كلّ حياتنا. أُجدِّد من كلّ قلبي لكم جميعًا ولأحبّائكم تمنيّاتي الحارّة بالسنة الجديدة وأتمنّى لكم عيد دنح سعيدًا.
في قانون الليتورجيا المقدّسة، يشدِّد المجمع الفاتيكانيّ الثاني على أنّ عمل الخلاص الذي أنجزه المسيح يستمرّ في الكنيسة من خلال الاحتفال بالأسرار المقدّسة، بِفضل عمل الروح القدس. ففي العهد القديم، في السير نحو ملء الإيمان، لدينا شهادات حول أنّ حضور الله وعمله يتمّ بواسطة علامات، على سبيل المثال، علامة النار (راجع سفر الخروج 3، 2 وما يلي؛ 19، 18). ولكن ابتداءً من التجسّد يحدث شيءٌ مُذهل، إذ يتحوّل نظام الاتّصال الخلاصيّ بالله جذريًّا ويصبح الجسد أداة الخلاص: “Verbum caro factum est” و“الكلمة صار جسدًا”، يكتب يوحنّا الإنجيليّ ويؤكِّد ترتليانوس وهو مؤلِّف مسيحيّ من القرن الثالث: “Caro salutis est cardo”، “الجسد هو محور الخلاص” (حول قيامة الجسد، 8،3: ب ل 2، 806).
يمثِّل عيد الميلاد منذ الآن باكورة الـ“sacramentum-mysterium paschale”، أي بداية سرّ الخلاص الجوهريّ الذي يبلغ ذروته في آلام المسيح وموته وقيامته، لأنّ يسوع يبدأ منذ أوّل لحظة وجودَه الإنسانيّ في أحشاء مريم العذراء بِبذل ذاته بمحبّة. ليلة الميلاد مرتبطة إذًا بِعمق بعشيّة الفصح، عندما يتمّ الفداء في تضحية الربّ المائت والقائم من الموت المجيدة. وتُشير المغارة بذاتها، كَصورة عن تجسّد الكلمة، وعلى ضوء قصّة الإنجيل، منذ الآن إلى عيد الفصح، ومن المثير للاهتمام رؤية كيف أنّ بعض أيقونات الميلاد في التقليد الشرقيّ تُمثِّل الطفل يسوع مقمّطًا ومضجعًا في مذود له شكل قبر؛ في إشارة إلى اللحظة التي سوف يُنزل فيها عن الصليب، ملفوفًا في كفن، ويوضع في قبر منحوت في الصخر (راجع إنجيل لوقا 2، 7؛ 23، 53). ليس التجسّد والفصح الواحد بجانب الآخر، بل هما نقطتان رئيسيّتان لا تنفصلان للإيمان الواحد بِيسوع المسيح، ابن الله المُتجسّد والفادي. فالصليب والقيامة يفترضان سلفًا التجسّد. وذلك فقط لأنّ الابن، وبه الله نفسه، “قد نزل” حقًّا و “صار جسدًا”، أصبح موت يسوع وقيامته حدثان معاصران لنا، يخصّاننا، ينتزعاننا من الموت ويفتحان لنا مستقبل يدخل فيه هذا “الجسد”، هذا الوجود الأرضيّ العابر، في أبديّة الله. من هذا المنظور الوحدويّ لِسرّ المسيح، تُوجّهنا زيارة المغارة إلى زيارة القربان المقدّس، حيث نلتقي المسيح المصلوب والقائم من الموت، المسيح الحي، حاضرًا بِشكلٍ واقعيّ.
ليس الاحتفال الليتورجيّ بالميلاد إذًا مجرّد تذكار، بل قبل كلّ شيء سرّ؛ ليس ذاكرة فحسب، بل أيضًا حضور. ولإدراك معنى هذين المظهرين المُتلازمين، يجب أن نعيش بشكل عميق كلّ الزمن الميلاديّ كما تقدِّمه الكنيسة. وإذا اعتبرناه بمعناه الأوسع، فهو يمتدّ لفترة أربعين يومًا، من 25 كانون الأوّل/ديسمبر إلى 2 شباط/فبراير، من الاحتفال في ليلة الميلاد، إلى أمومة مريم، إلى الدنح (الغِطاس)، إلى عمادة يسوع، إلى عرس قانا الجليل، إلى تقدمة المسيح إلى الهيكل، في تشابه مع زمن عيد الفصح بالتحديد، الذي يشكِّل وحدة من خمسين يومًا، حتّى عيد العنصرة. فظهور الله في الجسد هو الحدث الذي كشف عن الحقّ في التاريخ. في الواقع، إنّ تاريخ 25 كانون الأوّل/ديسمبر، المُرتبط بِفكرة تجليّ الشمس- رمزًا عن الله الذي يظهر كنور لا يغيب في أفق التاريخ -، يُذكِّرنا بأنّه ليس مجرّد فكرة، فكرة أنّ الله هو ملء النور، بل واقع قد تحقَّق بالنسبة لنا نحن البشر لا يزال آنيًّا دومًا: اليوم، كما حينها، يكشف الله عن ذاته في الجسد، أي في “الجسم الحيّ” للكنيسة الحاجّة في الزمن، ويمنحنا اليوم الخلاص بالأسرار.
تقدّم رموز احتفالات عيد الميلاد، التي تذكرها القراءات والصلوات، لليتورجيا هذا الزمن معنىً عميقًا لِـ “دِنْح” الله في مسيحه-الكلمة المتجسّد، أي “الظهور” الذي يكتسب أيضًا معنًى إسكاتولوجيًّا، يوجِّهنا إلى الأزمنة الأخيرة كلمة دِنْح السريانية، ] كلمة دِنْح السريانية، مثلها مثل كلمةEpiphaneia اليونانية تعني تحديدًا الـ“الظهور”. (ملاحظة المترجم) [. ففي زمن المجيء، كان المجيئان، المجيء التاريخيّ والمجيء في نهاية التاريخ، مرتبطان مباشرة؛ لكنّ التجليّ المسيحانيّ يُحتفل به بِمنظور الانتظارات الإسكاتولوجيّة في الدنح وعماد يسوع على الأخصّ: التكريس المسيحانيّ لِيسوع، الكلمة المتجسِّد، من خلال حلول الروح القدس بِشكلٍ مرئيّ، يقود إلى اكتمال زمن الوعود ويفتتح الأزمنة الأخيرة.
يجب تحرير هذا الزمن الميلاديّ من طلاء جدّ أخلاقيّ وعاطفيّ. فاحتفال الميلاد لا يعرض علينا فقط أمثلة للاقتداء بها، مثل تواضع الربّ وفقره، وطيبته ومحبّته تجاه البشر؛ بل هو بالأحرى دعوة لنترك مَن دخل في جسدنا يحوّلنا تمامًا. يهتف القدّيس لاوون الكبير قائلا: “لقد اتّحد بنا ابن الله وجعلنا نتّحد به بحيث أنّ نزول الله إلى حالة الإنسان تصبح إعلاءً للإنسان إلى أعالي الله" (عظة ميلاد الربّ 27، 2). يهدف ظهور الله إلى إشتراكنا بالحياة الإلهيّة، وتحقيق سرّ تجسده فينا. هذا السرّ هو اكتمال دعوة الإنسان. يُفسِّر القديس لاوون الكبير أيضًا أهميّة سرّ الميلاد العمليّة والحاضرة أبدًا في الحياة المسيحيّة: “تؤجِّج كلمات الإنجيل والأنبياء روحنا وتعلّمنا أن نفهم ميلاد الربّ، سرّ هذا الكلمة الذي صار جسدًا، لا كذكرى حدث سابق، بل كَحدث يجري أمام أعيننا... إنّه كما لو يُعلن لنا في احتفال اليوم: «ها أنا أبشِّركم بفرحٍ عظيم، يكون للشعب كلِّه: لأنه وُلد لكم اليوم مخلّص، هو المسيح الربّ، في مدينة داوود» (عظة ميلاد الربّ 29، 1). ويضيف: “اعترف أيّها المسيحيّ بكرامتك، وبما أنّك أصبحت مُشاركًا في الطبيعة الإلهيّة، احرص على عدم الوقوع مجدّدًا، بِسلوكك غير اللائق، من هذه العظمة إلى البؤس السابق” (العظة الأولى حول ميلاد الربّ، 3).
أيّها الأصدقاء الأعزّاء، لِنعش هذا الزمن الميلاديّ بِحرارة: نحن مدعوّون، بعد التعبّد لابن الله الذي صار بشرًا ووُضع في المذود، لِلانتقال إلى مذبح التضحية، حيث يبذل المسيح، الخبز الحيّ النازل من السماء، ذاتَه من أجلنا كقوتٍ حقيقيّ للحياة الأبديّة. وذاك الذي رأيناه بأعيننا، على مائدة الكلمة وخبز الحياة، والذي أبصرناه، والذي لمسته أيدينا، أي الكلمة التي صار جسدًا، لِنبشِّر به العالم بفرح ولنشهد له بِسخاء في كلّ حياتنا. أُجدِّد من كلّ قلبي لكم جميعًا ولأحبّائكم تمنيّاتي الحارّة بالسنة الجديدة وأتمنّى لكم عيد دنح سعيدًا.