عن إذاعة البي بي سي
اضطرت العديد من الكنائس في العراق الى الغاء قداساتها وفعالياتها الدينية للموسم الحالي لاعياد الميلاد، وسط مخاوف من تعرض المسيحيين لهجمات وتهديدات امنية جديدة.
فقد شهد اكتوبر/ تشرين الاول الماضي هجوما دمويا انتحاريا على كنيسة تتبع السريان الكاثوليك في بغداد اسفر عن مقتل اكثر من 40 مسيحيا.
وقد دعا قادة الطوائف المسيحية في العراق رعاياهم الى ابقاء احتفالاتهم في حدها الادنى عقب تهديدات بتعرضهم الى مزيد من الهجمات، فصار تجمع المصلين في قداسات كنائس بغداد الآشورية شبحا لما كان عليه في الماضي.
اضطرت العديد من الكنائس في العراق الى الغاء قداساتها وفعالياتها الدينية للموسم الحالي لاعياد الميلاد، وسط مخاوف من تعرض المسيحيين لهجمات وتهديدات امنية جديدة.
فقد شهد اكتوبر/ تشرين الاول الماضي هجوما دمويا انتحاريا على كنيسة تتبع السريان الكاثوليك في بغداد اسفر عن مقتل اكثر من 40 مسيحيا.
وقد دعا قادة الطوائف المسيحية في العراق رعاياهم الى ابقاء احتفالاتهم في حدها الادنى عقب تهديدات بتعرضهم الى مزيد من الهجمات، فصار تجمع المصلين في قداسات كنائس بغداد الآشورية شبحا لما كان عليه في الماضي.
في كنيسة "سيدة النجاة" التي تعرضت للهجوم يمكن رؤية صور الرجال والنساء والاطفال الذين سقطوا ضحية الانتحاريين الذين فجروا انفسهم فيها، ويمكن ايضا رؤية ثقوب الرصاص وبقايا الحطام الذي خلفته الانفجارات.
منذ ذلك اليوم غادر العديد من الناجين من ذلك الهجوم البلاد خوفا على حياتهم، الا ان آخرين اصروا على البقاء في العراق، بلدهم، وحرصوا على استمرار قداساتهم الكنسية.
امنية الموت كانت شيمي حنا في الكنيسة وقت وقوع الهجوم، وكانت شاهدة على مقتل زوجها وابنها وزوجة ابنها، وحفيدها الرضيع، الذي لم يتجاوز عمره ثلاثة اشهر.
نريد اكثر من مجرد كلمات، نريد حلولا جذرية بالنسبة لمن يريد البقاء في بلاده، لا احد يريد المغادرة، انه امر مؤلم ومرير، وانا شعرت شخصيا بهذا، الناس لا تريد ترك بلادها، لكنهم تركوا بلا خيارات اخرى.
القس ايسر كيسكو
وتقول شيمي: "لقد تألمت جدا، وتمنيت لو انني انا المقتولة، تمنيت لو انني انا الشهيدة من اجل هذه الكنيسة، الا ان الله ابقاني حية من اجل بناتي".
صارت شيمي الآن امام معضلة عويصة، اما البقاء في العراق ومواجهة احتمال التعرض لمزيد من تلك الهجمات، او مغادرة البلاد الذي ولدت وعاشت فيه.
تقول شيمي: "انا محتارة، جزء مني يقول ان ابقى في بغداد، وجزء آخر يقول لا بد ان اغادر، وانا محتارة ولا اعرف الى اي جانب اميل".
منذ ذلك الهجوم زادت الحكومة العراقية من درجة الحماية والتأهب الامني في محيط هذه الكنيسة وباقي الكنائس في العراق، وحصنت جدران الكنائس لتتحمل قوة التفجيرات.
الا ان تلك الاحتياطات جاءت متأخرة بالنسبة للذين سقطوا قتلى في ذلك اليوم الدموي، وبات الامر يحتاج الى اكثر من حاجز اسمنتي او حائط مدرع لاقناع المسيحيين بالبقاء في بلادهم وهم مطمئنون.
اذ تشير الارقام الى رحيل اكثر من ألف اسرة مسيحية عراقية من بلدها الى كردستان العراق، المكان الافضل من الناحية الامنية، نسبيا.
اما من ظل في بغداد فقد حُذر من زعماء الطائفة بضرورة الابقاء على احتفالاتهم بموسم الاعياد المسيحية في حده الادنى قدر الامكان، بل ان بعض القداسات والصلوات والاحتفالات الغيت تماما.
وعلى الرغم من تعود العراقيين عموما على العنف، الا ان الهجوم على الكنيسة في اكتوبر هز العراق، على الرغم من انها لم تكن المرة الاولى التي يستهدف فيها مسيحيو العراق.
يونادم كنه مسيحي وعضو في مجلس النواب العراقي، وهو يأخذ موضوع امنه الشخصي بجدية شديدة، فحراسه يرتدون ملابس ميدان معركة سوداء ونظارات داكنة، ويحرسون موكبه خلال تجواله في بغداد وهم مسلحين ببنادق الكلاشنيكوف التي يحرصون على ان تكون ظاهرة للعين دائما.
"ارحل والا" المسيحيون بالعراق يهربون خوفا على حياتهم، رغم تمسكهم بالرغبة في البقاء
هذا البرلماني العراقي ليس غريبا عن التهديدات والعنف، ويقول: "قبل عامين فتحت صندوق رسائلي المخصص لاعضاء البرلمان لاجد رسالة موجهة لي وعليها طوابع بريد حكومية تطلب مني ومن رجال دين مسيحيين آخرين مغادرة العراق بسرعة، او التهديد بقطع الرأس"، لكنه قال انه لم يفكر ابدا في مغادرة العراق "فهذا بلدي".
البعض اقترح اقامة محافظة مستقلة للمسيحيين داخل العراق، كما هو حال منطقة الحكم الذاتي في كردستان العراق شمال البلاد، محافظة او مقاطعة يمكن للمسيحيين فيها ادارة شؤونهم بانفسهم، الا ان يونادم كنه يرفض الفكرة.
وفي هذا يقول: "نعم نحتاج الى ملاذ آمن او منطقة آمنة، لكن ليس كما يشبه المعسكر، فنحن في كل مكان من العراق، نحن في بغداد والبصرة، وفي كل مكان، ولا بد ان تكون لنا حقوقنا اينما كنا، نحن جزء من شعب هذا البلد، وقدرنا ان نعيش معا".
كآبة واحباط اميرة نيسان تساعد زوجة ابنها في تزيين شجرة عيد الميلاد لكن وراء ستائر مغلقة. اميرة كانت في طريقها الى الكنيسة في ذلك اليوم الدموي، لكن زوجها طلب منها المجيء الى البيت قبل ان تصل، وهي تعتقد ان الله نجاها وانقذها.
تقول اميرة انها قدمت طلبا للجوء الى فرنسا، التي عرضت استقبال ضحايا الهجوم للجوء فيها، لكن طلبها رفض لانها لم تكن في الكنيسة لحظة وقوع الهجوم.
وتضيف اميرة: "لا اعرف ماذ افعل، فلا مكان يمكن ان الجأ اليه غير بيتي والكنيسة. انا لا اخاف من الذهاب الى الكنيسة، لكنني كئيبة ومحبطة، الحزن يهمين على كل شيء، والكنيسة لم ذلك المكان الذي اعتدنا على زيارته.. انه امر محزن.. محزن جدا".
جدران كاتدرائية بغداد الآشورية ما زالت تحمل بعض الاشلاء السوداء للانتحاريين الذين فجروا انفسهم وسط تجمع المسيحيين في القداس.
"مرض كالنزيف" يقول القس ايسر كيسكو انه من الناحية الرسمية تنصح الكنيسة رعاياها بعدم الهجرة خارج العراق "فالهجرة مرض خطير، يشبه النزف فالنزف فالنزف".
ويضيف القس، بعد انتهاء قداسه، قائلا: "نريد اكثر من مجرد كلمات، نريد حلولا جذرية بالنسبة لمن يريد البقاء في بلاده، لا احد يريد المغادرة، انه امر مؤلم ومرير، وانا شعرت شخصيا بهذا، الناس لا تريد ترك بلادها، لكنهم تركوا بلا خيارات اخرى".
ويضيف الاب كيسكو انه يرى نفسه وقد صار في موقف حرج عندما يطلب من رعايا كنيسته النصح والمشورة.
"اذا قلت لهم ابقوا يسألون: هل يمكنك ضمان سلامتي وسلامة اسرتي واطفالي، وانا لا اعرف ماذ اقول، فلا استطيع حتى ضمان امني الشخصي".
المسيحيون في العراق موجودون منذ ظهور الديانة المسيحية نفسها، ومصيرهم صار مرتبطا على نحو لا ينفصم بمصير العراق برمته، والعراقيون كلهم امام محنة العنف ودوامته الدموية يوميا، مهما كانت ديانتهم او مذهبهم او طائفتهم.
منذ ذلك اليوم غادر العديد من الناجين من ذلك الهجوم البلاد خوفا على حياتهم، الا ان آخرين اصروا على البقاء في العراق، بلدهم، وحرصوا على استمرار قداساتهم الكنسية.
امنية الموت كانت شيمي حنا في الكنيسة وقت وقوع الهجوم، وكانت شاهدة على مقتل زوجها وابنها وزوجة ابنها، وحفيدها الرضيع، الذي لم يتجاوز عمره ثلاثة اشهر.
نريد اكثر من مجرد كلمات، نريد حلولا جذرية بالنسبة لمن يريد البقاء في بلاده، لا احد يريد المغادرة، انه امر مؤلم ومرير، وانا شعرت شخصيا بهذا، الناس لا تريد ترك بلادها، لكنهم تركوا بلا خيارات اخرى.
القس ايسر كيسكو
وتقول شيمي: "لقد تألمت جدا، وتمنيت لو انني انا المقتولة، تمنيت لو انني انا الشهيدة من اجل هذه الكنيسة، الا ان الله ابقاني حية من اجل بناتي".
صارت شيمي الآن امام معضلة عويصة، اما البقاء في العراق ومواجهة احتمال التعرض لمزيد من تلك الهجمات، او مغادرة البلاد الذي ولدت وعاشت فيه.
تقول شيمي: "انا محتارة، جزء مني يقول ان ابقى في بغداد، وجزء آخر يقول لا بد ان اغادر، وانا محتارة ولا اعرف الى اي جانب اميل".
منذ ذلك الهجوم زادت الحكومة العراقية من درجة الحماية والتأهب الامني في محيط هذه الكنيسة وباقي الكنائس في العراق، وحصنت جدران الكنائس لتتحمل قوة التفجيرات.
الا ان تلك الاحتياطات جاءت متأخرة بالنسبة للذين سقطوا قتلى في ذلك اليوم الدموي، وبات الامر يحتاج الى اكثر من حاجز اسمنتي او حائط مدرع لاقناع المسيحيين بالبقاء في بلادهم وهم مطمئنون.
اذ تشير الارقام الى رحيل اكثر من ألف اسرة مسيحية عراقية من بلدها الى كردستان العراق، المكان الافضل من الناحية الامنية، نسبيا.
اما من ظل في بغداد فقد حُذر من زعماء الطائفة بضرورة الابقاء على احتفالاتهم بموسم الاعياد المسيحية في حده الادنى قدر الامكان، بل ان بعض القداسات والصلوات والاحتفالات الغيت تماما.
وعلى الرغم من تعود العراقيين عموما على العنف، الا ان الهجوم على الكنيسة في اكتوبر هز العراق، على الرغم من انها لم تكن المرة الاولى التي يستهدف فيها مسيحيو العراق.
يونادم كنه مسيحي وعضو في مجلس النواب العراقي، وهو يأخذ موضوع امنه الشخصي بجدية شديدة، فحراسه يرتدون ملابس ميدان معركة سوداء ونظارات داكنة، ويحرسون موكبه خلال تجواله في بغداد وهم مسلحين ببنادق الكلاشنيكوف التي يحرصون على ان تكون ظاهرة للعين دائما.
"ارحل والا" المسيحيون بالعراق يهربون خوفا على حياتهم، رغم تمسكهم بالرغبة في البقاء
هذا البرلماني العراقي ليس غريبا عن التهديدات والعنف، ويقول: "قبل عامين فتحت صندوق رسائلي المخصص لاعضاء البرلمان لاجد رسالة موجهة لي وعليها طوابع بريد حكومية تطلب مني ومن رجال دين مسيحيين آخرين مغادرة العراق بسرعة، او التهديد بقطع الرأس"، لكنه قال انه لم يفكر ابدا في مغادرة العراق "فهذا بلدي".
البعض اقترح اقامة محافظة مستقلة للمسيحيين داخل العراق، كما هو حال منطقة الحكم الذاتي في كردستان العراق شمال البلاد، محافظة او مقاطعة يمكن للمسيحيين فيها ادارة شؤونهم بانفسهم، الا ان يونادم كنه يرفض الفكرة.
وفي هذا يقول: "نعم نحتاج الى ملاذ آمن او منطقة آمنة، لكن ليس كما يشبه المعسكر، فنحن في كل مكان من العراق، نحن في بغداد والبصرة، وفي كل مكان، ولا بد ان تكون لنا حقوقنا اينما كنا، نحن جزء من شعب هذا البلد، وقدرنا ان نعيش معا".
كآبة واحباط اميرة نيسان تساعد زوجة ابنها في تزيين شجرة عيد الميلاد لكن وراء ستائر مغلقة. اميرة كانت في طريقها الى الكنيسة في ذلك اليوم الدموي، لكن زوجها طلب منها المجيء الى البيت قبل ان تصل، وهي تعتقد ان الله نجاها وانقذها.
تقول اميرة انها قدمت طلبا للجوء الى فرنسا، التي عرضت استقبال ضحايا الهجوم للجوء فيها، لكن طلبها رفض لانها لم تكن في الكنيسة لحظة وقوع الهجوم.
وتضيف اميرة: "لا اعرف ماذ افعل، فلا مكان يمكن ان الجأ اليه غير بيتي والكنيسة. انا لا اخاف من الذهاب الى الكنيسة، لكنني كئيبة ومحبطة، الحزن يهمين على كل شيء، والكنيسة لم ذلك المكان الذي اعتدنا على زيارته.. انه امر محزن.. محزن جدا".
جدران كاتدرائية بغداد الآشورية ما زالت تحمل بعض الاشلاء السوداء للانتحاريين الذين فجروا انفسهم وسط تجمع المسيحيين في القداس.
"مرض كالنزيف" يقول القس ايسر كيسكو انه من الناحية الرسمية تنصح الكنيسة رعاياها بعدم الهجرة خارج العراق "فالهجرة مرض خطير، يشبه النزف فالنزف فالنزف".
ويضيف القس، بعد انتهاء قداسه، قائلا: "نريد اكثر من مجرد كلمات، نريد حلولا جذرية بالنسبة لمن يريد البقاء في بلاده، لا احد يريد المغادرة، انه امر مؤلم ومرير، وانا شعرت شخصيا بهذا، الناس لا تريد ترك بلادها، لكنهم تركوا بلا خيارات اخرى".
ويضيف الاب كيسكو انه يرى نفسه وقد صار في موقف حرج عندما يطلب من رعايا كنيسته النصح والمشورة.
"اذا قلت لهم ابقوا يسألون: هل يمكنك ضمان سلامتي وسلامة اسرتي واطفالي، وانا لا اعرف ماذ اقول، فلا استطيع حتى ضمان امني الشخصي".
المسيحيون في العراق موجودون منذ ظهور الديانة المسيحية نفسها، ومصيرهم صار مرتبطا على نحو لا ينفصم بمصير العراق برمته، والعراقيون كلهم امام محنة العنف ودوامته الدموية يوميا، مهما كانت ديانتهم او مذهبهم او طائفتهم.