عن موقع أبونامن توصيات الاجتماع الأخير للبطاركة الكاثوليك في الشّرق ضرورة انعقاد مؤتمر للتّعليم
المسيحيّ. وانّها لمناسبة كي يُلفت المرء الانتباه إلى التّعليم الدّينيّ في المدارس بشكل عامّ. بطاركة المشرق المُشار إليهم هم البطاركة الكاثوليك لكلّ من الأقباط والموارنة والرّوم أي البيزنطيّين الملكيّين والكلدان والسّريان والأرمن واللاّتين.
"الاهتمام" بالدّين في هذه الأيّام
الكلام هنا عن المدارس المسيحيّة ولكنّه يشمل الطالب المسلم والمسيحيّ على حدّ سواء. من الطلبة من لا "يهتمّ" (بالمعنى الحصريّ السّليم أي أنّ لا هَمّ عنده) بالدّيانة إلاّ في فترة الامتحانات وذلك من أجل "العلامة" و "المعدّل". ومن المؤسف أنّ عدداً من أولياء الأمور لا يسأل عن موضوع الدّين إلاّ عند توزيع العلامات الفصليّة وخصوصاً بعد نتائج الامتحانات. ويطالب نفر من أولياء الأمور بأن يُعطى أبناؤهم أو بناتهم "علامات كاملة" (في الغالب لا يستحقّونها) في "الدّين، ناهيكم عن وجود معلّمين ومعلّمات غير مؤهّلين للديانة ولكن مُنحوا حصص "دين" لاكتمال النّصاب.
ويزيد الطّين بلّة في بعض الدّول الشرق أوسطيّة أنّ مادّة التّربية المسيحيّة (التي ترصد لها السّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة مثلاً مبالغ كبيرة في طباعة المنهاج من الصف الأوّل إلى الثّاني عشر) لا تدخل في امتحانات الثّانوية العامّة من "توجيهيّ" وسواه. فلا يُعير الطّالب –في عقليّته المحدودة- للدّين أي انتباه.
لكي يُضيء المرء شمعة بدل أن يكتفي بانتقاد الظّلام، يُناشد هذا المقال إدارات المدارس كي تولي التّربية الدّينيّة حقّها وتنشر الوعي بين الطلبة -بعد اللقاء بأولياء الأمور- أنّ الدّين والأخلاق هي "المادّة" الوحيدة التي ترافقنا في دروب الحياة وتقطع معنا -بعد عمر طويل أو قصير- نفق الموت إلى الأبديّة! وصدَق المَثَل اللآّتينيّ: "لا للمدرسة يدرس المرء بل للحياة"Non scholae discitur sed vitae وبالذّات "مادّة الدّين" ترافقنا وتنفعنا كلّ الحياة وبعد الممات، كما كتب رسول الأمم الإناء المختار بولس: "التّقوى تنفع في كلّ شيء، إذ لها مواعد الحياة الحاضرة والآخرة" (الأولى إلى تيموثاوس 4 :8).
اعتراض بعض المسيحيّين خصوصاً الأعاجم على لفظة "دِين" أو "ديانة"
يرفض قوم هاتَين اللّفظتَين قائلين أنّ المسيحيّة ليست "دِيناً" بمعنى مجموعة من الشّرائع والوصايا والنّواهي. ولعلّهم يربطون الجذر "د ا ن דן" بالكنعانيّة حيث تعني كلمة "دِين" الحُكم، مثلاً حُكم العاقّ أو حُكم الخائن للزّواج وما إلى ذلك. وينسب آخرون لفظة "دِين" ومقابلها العبريّ "دات" إلى الفعل اللاتينيّ "دارِه" dare أي "عطاء، عطيّة".
الأقرب إلى الدّقّة والصّواب القول: المسيحيّة ليست فقط مجموعة شرائع ووصايا بل هي اتّباع للسيّد المسيح، حيث أننّا من "أهل الكتاب" ومن أهل "الكلمة"، كلمة الله المتجسّدة والمكتوبة.
وفي العهد الجديد اليونانيّ وردت لفظة "ثريسكيّا" التي تعني "دِين، ديانة" في اليونانيّة الشّائعة (كوينه) والحديثة. ولا سبيل إلى تجاهلها ولا إلى نقلها بكلمة أخرى. وما أجمل اللفظة اللاّتينيّة عن "الدّين" وهي "رليجيو" ومنهم رليجيون Religion من فعل "رليجارِه" أي "الرابطة". فلا يجدر بالدّيانة أن تسبّب القطيعة بين النّاس!.
طبعات الكتاب المقدّس للعائلات والطلاّب
مع الدّين، على الطّالب الفلسطينيّ وسائر الطلاّب العرب ولاسيّما القاطنين في الشّرق الأوسط أن يعرفوا تاريخ بلادهم العريق والحضارات القديمة التي صاغت مدنيّتهم الحاضرة. وقد قال الأب فِنسِنتِه دي أوليفيرا: "انّ الأقوام الّتي تشوّه عرضها للماضي، لا تقدر أن تفهم الحاضر ولا أن تبني المستقبل". بلادنا أرض الوحي والالهام وأحياناً نحن أجهل البشر بتاريخها وآثارها!.
مؤخّراً حصل الآباء الفرنسيسكان من مطبعة المشرق اليسوعيّة على ترخيص بطباعة الكتاب المقدّس في القدس، آخذين الطبعة اليسوعيّة (ولعلّها العشرون منذ سنة 1968). وينصح المرء بهذه الطّبعة للطلاّب أيضاً وذلك بسبب دقّتها (مع أنّ الكنيسة والعلم يعتمدان على الأصل لا على النّقل، وعليه كلّ "التّرجمات" تفسيريّة). وتتألّق هذه الطبعة بلسان عربيّ سليم ونقل أمين، كما تحوي ملحوظات وحواشي ضرورية لتأويل مستقيم للكلمة الالهيّة.
أهناك عداوة بيننا وبين الكتاب وبيننا وبين المحاضرات؟
ثَمّة انطباع مرير وهو أنّ المطالعة ليست من صفات الإنسان العربيّ الأولى. ويريد هذا المقال أن يركّز على واجب الاكليروس في توعية الشّعب المسيحيّ وفي نشر الكتب والمجلاّت والمواضيع عن طريق المواقع الالكترونيّة وسواها. ولكنّ "يداً واحدة لا تصفّق" (مع أنّ شعبنا يصفّق كثيراً وأحياناً لا يعلم لمن أو لماذا!). وقد حزن أحد أساقفتنا اضطراره أن يغلق مجلّتين استهلّ أحداهما كاهن فاضل راحل وأسّس سيادة المطران الثانية ولكن المجلاّت كانت تتكدّس في المطرانيّة والأديرة وقد كساها الغبار! وكتب أحد الكهنة بين مزاح وجِدّ: "إحنا شعب ما بيقرا ورق"!.
من ناحية أخرى، تشجّع أحد كهنتنا في فلسطين وأسّس بجهود جبّارة مشكوراً مكتبة دينيّة ضخمة كلّفت الكثير وساعده فيها محسنون خصوصاً من فرنسا. وهذه المرّة فوجيء الأب الفاضل المشار إليه بكثرة الوافدين إلى المكتبة والمتّصلين بها! فالحمد لله الذي يغيّر النّاس إلى أفضل!.
أما "المحاضرات" و"الندوات" ولاسيما الأسبوعية فيبدو أنها "لا تدخل عقل" الكثيرين من شعبنا الحبيب أو كما تقول العامّة "ما بتقطع أو بتخرط عقلهم". يقيم الإكليروس المتعلم هذه الندوات لأنه -بخلاف ما يتهمنا به بعضهم- لا يريد شعباً جاهلاً مجهولاً! فالشعب الجاهل مصيبة لنفسه ولكهنته! والقديس بولس يكتب باستمرار: "لا نريد أن تجهلوا!"، فلنقهرنّ الكسل في الروحانيات وسائر أمور الدّين ونحن قوم معروفون بالاجتهاد والفلاح في الميادين الأخرى!، ولا نستسلمنّ لما تدعوه اللهجة المصرية في خفة ظلها "التمبلة" - والكلمة مأخوذة من اليونانية "تمبيليا" أي الكسل!.
"افحصوا الكتب"!
وردت هذه الآية في صيغة المضارع: "أنتم تتفحّصون الكُتُب (المقدّسة) لعلّكم تجدون فيها الحياة" (يوحنّا 5: 39). وإذا سمعنا وقرأنا، قد نستأهل مديح رسول الأمم الإناء المختار بولس لتلميذه، ابنه الرّوحاني تيموثاوس: "إنّك تعرف الكُتُب المقدّسة منذ نعومة أظفارك، فهي قادرة على أن تجعلك حكيماً فتبلغ الخلاص بالايمان الّذي في المسيح يسوع. فكلّ ما كُتب هو من وحي الله يفيد التعليم والتفنيد والتقويم والتأديب في البِرّ، ليكون رجُلُ الله كاملاً مُعَدّاً لكلّ عمل صالح" (2 تيموثاوس 3: 14-17)
لكي يُضيء المرء شمعة بدل أن يكتفي بانتقاد الظّلام، يُناشد هذا المقال إدارات المدارس كي تولي التّربية الدّينيّة حقّها وتنشر الوعي بين الطلبة -بعد اللقاء بأولياء الأمور- أنّ الدّين والأخلاق هي "المادّة" الوحيدة التي ترافقنا في دروب الحياة وتقطع معنا -بعد عمر طويل أو قصير- نفق الموت إلى الأبديّة! وصدَق المَثَل اللآّتينيّ: "لا للمدرسة يدرس المرء بل للحياة"Non scholae discitur sed vitae وبالذّات "مادّة الدّين" ترافقنا وتنفعنا كلّ الحياة وبعد الممات، كما كتب رسول الأمم الإناء المختار بولس: "التّقوى تنفع في كلّ شيء، إذ لها مواعد الحياة الحاضرة والآخرة" (الأولى إلى تيموثاوس 4 :8).
اعتراض بعض المسيحيّين خصوصاً الأعاجم على لفظة "دِين" أو "ديانة"
يرفض قوم هاتَين اللّفظتَين قائلين أنّ المسيحيّة ليست "دِيناً" بمعنى مجموعة من الشّرائع والوصايا والنّواهي. ولعلّهم يربطون الجذر "د ا ن דן" بالكنعانيّة حيث تعني كلمة "دِين" الحُكم، مثلاً حُكم العاقّ أو حُكم الخائن للزّواج وما إلى ذلك. وينسب آخرون لفظة "دِين" ومقابلها العبريّ "دات" إلى الفعل اللاتينيّ "دارِه" dare أي "عطاء، عطيّة".
الأقرب إلى الدّقّة والصّواب القول: المسيحيّة ليست فقط مجموعة شرائع ووصايا بل هي اتّباع للسيّد المسيح، حيث أننّا من "أهل الكتاب" ومن أهل "الكلمة"، كلمة الله المتجسّدة والمكتوبة.
وفي العهد الجديد اليونانيّ وردت لفظة "ثريسكيّا" التي تعني "دِين، ديانة" في اليونانيّة الشّائعة (كوينه) والحديثة. ولا سبيل إلى تجاهلها ولا إلى نقلها بكلمة أخرى. وما أجمل اللفظة اللاّتينيّة عن "الدّين" وهي "رليجيو" ومنهم رليجيون Religion من فعل "رليجارِه" أي "الرابطة". فلا يجدر بالدّيانة أن تسبّب القطيعة بين النّاس!.
طبعات الكتاب المقدّس للعائلات والطلاّب
مع الدّين، على الطّالب الفلسطينيّ وسائر الطلاّب العرب ولاسيّما القاطنين في الشّرق الأوسط أن يعرفوا تاريخ بلادهم العريق والحضارات القديمة التي صاغت مدنيّتهم الحاضرة. وقد قال الأب فِنسِنتِه دي أوليفيرا: "انّ الأقوام الّتي تشوّه عرضها للماضي، لا تقدر أن تفهم الحاضر ولا أن تبني المستقبل". بلادنا أرض الوحي والالهام وأحياناً نحن أجهل البشر بتاريخها وآثارها!.
مؤخّراً حصل الآباء الفرنسيسكان من مطبعة المشرق اليسوعيّة على ترخيص بطباعة الكتاب المقدّس في القدس، آخذين الطبعة اليسوعيّة (ولعلّها العشرون منذ سنة 1968). وينصح المرء بهذه الطّبعة للطلاّب أيضاً وذلك بسبب دقّتها (مع أنّ الكنيسة والعلم يعتمدان على الأصل لا على النّقل، وعليه كلّ "التّرجمات" تفسيريّة). وتتألّق هذه الطبعة بلسان عربيّ سليم ونقل أمين، كما تحوي ملحوظات وحواشي ضرورية لتأويل مستقيم للكلمة الالهيّة.
أهناك عداوة بيننا وبين الكتاب وبيننا وبين المحاضرات؟
ثَمّة انطباع مرير وهو أنّ المطالعة ليست من صفات الإنسان العربيّ الأولى. ويريد هذا المقال أن يركّز على واجب الاكليروس في توعية الشّعب المسيحيّ وفي نشر الكتب والمجلاّت والمواضيع عن طريق المواقع الالكترونيّة وسواها. ولكنّ "يداً واحدة لا تصفّق" (مع أنّ شعبنا يصفّق كثيراً وأحياناً لا يعلم لمن أو لماذا!). وقد حزن أحد أساقفتنا اضطراره أن يغلق مجلّتين استهلّ أحداهما كاهن فاضل راحل وأسّس سيادة المطران الثانية ولكن المجلاّت كانت تتكدّس في المطرانيّة والأديرة وقد كساها الغبار! وكتب أحد الكهنة بين مزاح وجِدّ: "إحنا شعب ما بيقرا ورق"!.
من ناحية أخرى، تشجّع أحد كهنتنا في فلسطين وأسّس بجهود جبّارة مشكوراً مكتبة دينيّة ضخمة كلّفت الكثير وساعده فيها محسنون خصوصاً من فرنسا. وهذه المرّة فوجيء الأب الفاضل المشار إليه بكثرة الوافدين إلى المكتبة والمتّصلين بها! فالحمد لله الذي يغيّر النّاس إلى أفضل!.
أما "المحاضرات" و"الندوات" ولاسيما الأسبوعية فيبدو أنها "لا تدخل عقل" الكثيرين من شعبنا الحبيب أو كما تقول العامّة "ما بتقطع أو بتخرط عقلهم". يقيم الإكليروس المتعلم هذه الندوات لأنه -بخلاف ما يتهمنا به بعضهم- لا يريد شعباً جاهلاً مجهولاً! فالشعب الجاهل مصيبة لنفسه ولكهنته! والقديس بولس يكتب باستمرار: "لا نريد أن تجهلوا!"، فلنقهرنّ الكسل في الروحانيات وسائر أمور الدّين ونحن قوم معروفون بالاجتهاد والفلاح في الميادين الأخرى!، ولا نستسلمنّ لما تدعوه اللهجة المصرية في خفة ظلها "التمبلة" - والكلمة مأخوذة من اليونانية "تمبيليا" أي الكسل!.
"افحصوا الكتب"!
وردت هذه الآية في صيغة المضارع: "أنتم تتفحّصون الكُتُب (المقدّسة) لعلّكم تجدون فيها الحياة" (يوحنّا 5: 39). وإذا سمعنا وقرأنا، قد نستأهل مديح رسول الأمم الإناء المختار بولس لتلميذه، ابنه الرّوحاني تيموثاوس: "إنّك تعرف الكُتُب المقدّسة منذ نعومة أظفارك، فهي قادرة على أن تجعلك حكيماً فتبلغ الخلاص بالايمان الّذي في المسيح يسوع. فكلّ ما كُتب هو من وحي الله يفيد التعليم والتفنيد والتقويم والتأديب في البِرّ، ليكون رجُلُ الله كاملاً مُعَدّاً لكلّ عمل صالح" (2 تيموثاوس 3: 14-17)